للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَنْمِي خَيراً أو يَقُولُ خَيْراً" هذا القدر في "صحيحيهما". وزاد مسلم في رواية له "قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخِّص في شيء مما يقول النّاس إلا في ثلاث: يعني الحرب، والإصلاح بين النّاس، وحديث الرجل

امرأته والمرأة زوجها" فهذا الحديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماء ما يباح منه.

وأحسن ما رأيته في ضبطه، ما ذكره الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله فقال: الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمودٍ يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً، فالكذب فيه حرام، لعدم الحاجة إليه، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق،

ــ

ظلم إذ لا يلزم من نفي المبالغة نفي أصل الفعل والمعنى من كذب للإصلاح بين النّاس ليس كاذباً مذموماً. قوله: (فينمي خيراً أو يقول خيراً) أي يقول قولاً متضمناً للخير دون الشر كأن يقول للإصلاح بين زيد وعمرو يا عمرو يسلم عليك زيد ويمدحك ويقول: أنا أحبه ويجيء إلى زيد ويقول له كما قال لعمرو قال في النهاية يقال نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد هكذا قال أبو عبيدة وابن قتيبة وغيرهما من العلماء قلت فقوله خيراً أي حديث خير للتأكيد أو على إرادة التجريد وقال الحربي مشددة وأكثر المحدثين يقولونها مخففة وهذا لا يجوز ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يلحن ومن خفف لزمه أن يقول خير بالرفع وهذا ليس بشيء فإنه ينتصب بنمى كما ينتصب بقال وكلاهما على زعمه لازمان وإنما نمى متعد يقال نميت الحديث أي رفعته وأبلغته اهـ. وفي القاموس نما ينمو نمواً زاد كنمى ينمى نمياً ونمى والحديث ارتفع ونميته ونميته رفعته وعزوته وأنماه أذاعه على وجه النميمة. قوله: (ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول النَّاس إلا في ثلاث الخ) قال القاضي عياض لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور واختلف في المراد بالكذب المباح فيها ما هو فقالت طائفة هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة

<<  <  ج: ص:  >  >>