فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً، وواجب إن كان المقصود واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعةٌ، وسأل عنها ظالم يريد أخذها، وجب عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبره بوديعة عنده فأخذها الظالم قهراً، وجب ضمانها على المودَع
ــ
وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}{إِنِّي سَقِيمٌ} وقوله إنها أختي وقول منادي يوسف {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ}[يوسف: ٧٠] قالوا لا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أي هو قال آخرون منهم الطبري لا يجوز الكذب في شيء أصلاً قالوا وما جاء من الإباحة في هذا فالمراد التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها وينوي إن قدر الله تعالى كذلك وحاصله أنه يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء
كلاماً جميلاً ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك ووري وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية ونحوه من المعاريض المباحة فهذا جائز وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء على هذا من المعاريض وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك فأما المخادعة في منع حق عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين اهـ. قال ابن حجر في الزواجر الذي يتجه عدم وجوب التورية لأن العذر المجوز للكذب مجوز لترك التورية لما فيها من الحرج ثم رأيت الغزالي صرح بذلك بقوله والأحسن أن يوري.
قوله:(فالكذب فيه مباح إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً) أي كالصلح بين اثنين أو رجل وامرأته. قوله:(وواجب إن كان المقصود واجباً) كالمثال الذي ذكره في قوله وإذا اختفى مسلم من ظالم أي يريد قتله وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه لوجوب عصمة دم المعصوم. قوله:(وجب ضمانها على المودع) بفتح الدال اسم