للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن بعض العلماء أنه كره أن يقال: تَصدَّق الله عليك، قال: لأن المتصدِّق يرجو الثواب.

قلت: هذا الحكم خطأ صريح وجهل قبيح، والاستدلال أشدُّ فساداً.

وقد ثبت في "صحيح مسلم" عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال في قصر الصلاة: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِها عَلَيكُمْ فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ".

فصل: ومن ذلك ما حكاه النحاس أيضاً عن هذا القائل المتقدِّم

ــ

محمولاً على وجه صحيح على طريق الاحتمال. قوله: (لأن المتصدق) أي من المكلفين (يرجو الثواب) على صدقته فكره ذلك القائل إطلاق هذا اللفظ في حقه تعالى لئلا يتوهم في حقه لازم التصدق من المكلف وهو رجاء الثواب. قوله: (والاستدلال أشد فساداً) أي وما استدل به أشد فساداً وذلك لأن الألفاظ تختلف ملزوماتها بل ومعانيها بحسب ما تطلق فيه مثلاً الاستواء أي في حق المخلوق التمكن من الحيز وفي حقه سبحانه الاستيلاء على الشيء على وجه القهر والغلبة وهو القاهر فوق عباده، فدعوى أن لفظ تصدق يكره أن يقال في حقه تعالى -لأنه يوهم رجاء الثواب له تعالى لكونه إذا وقع من المخلوق يكون لرجاء الثواب- ظاهر الفساد لما ذكر من اختلاف معاني الكلمات ولوازمها بحسب مواردها ومواقعها، فليس المراد من التصدق في حقه تعالى هذا المعنى بل التفضل والإحسان والله أعلم وإنما كان الحكم خطأ صريحاً لمصادمته النص الصحيح الصريح بإطلاق هذا اللفظ في حقه تعالى ولعل القائل بذلك لم يستحضر الخبر وقت بحثه ذلك والله أعلم.

قوله: (وقد ثبت في صحيح مسلم) وكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي كما في التيسير والحديث عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد آمن النّاس فقال عجبت وما عجبت منه فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>