للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارحمنا برحمتك.

قلت: لا نعلم لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليل له فيما ذكره، فإن مراد القائل بمستقر الرحمة: الجنة، ومعناه: جمع بيننا في الجنة التي هي

ــ

لا يمتنع الدعاء المشهور بين النّاس قديماً وحديثاً اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك وذكره البخاري في كتاب الأدب المفرد عن بعض السلف وحكي فيه الكراهة قال: لأن مستقر رحمته ذاته وهذا بناء على أن الرحمة هنا صفة وليس مراد الداعي ذلك بل مراده الرحمة المخلوقة التي هي الجنة ولكن الذين كرهوا ذلك لهم نظر دقيق جداً وهو أنه إذا كان المراد بالرحمة الجنة نفسها لم يحسن إضافة المستقر إليها ولذا لا يحسن أجمعنا في مستقر رحمتك فإن الجنة نفسها هي دار القرار وهي المستقر نفسه كما قال تعالى: {حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا} فكيف يضاف المستقر إليها والمستقر هو المكان الذي يستقر فيه الجنة فتأمله ولذا قال مستقر رحمته ذاته والصواب أن هذا لا يمتنع وحتى لو صرح بقوله أجمعنا في مستقر رحمتك لم يمتنع وذلك أن المستقر أعم من أن يكون رحمة أو عذاباً فإذا أضيف إلى أحد أنواعه أضيف إلى مناسبه وغيره من غيره كأنه قيل في المستقر الذي هو رحمتك لا في المستقر الآخر ونظير هذا أن يقال اجلس في مستقر المسجد أي المستقر الذي هو المسجد والإضافة في مثل ذلك غير ممتنعة ومستكرهة وأيضاً فإن الجنة وإن سميت رحمة لا يمتنع أن يسمى ما فيها من أنواع النعيم رحمة ولا ريب أن مستقر ذلك النعيم هو الجنة فالداعي يطلب أن يجمعه الله ومن يحب في المكان الذي تستقر فيه تلك الرحمة المخلوقة في الجنة والله أعلم وحاصله أن الإضافة على الأول بيانية وعلى الأخير لامية وقال بعضهم موجها للقول بالكراهة لعله أراد أن الاستقرار يشعر بالانتهاء ورحمة الله لا انتهاء لها اهـ. قوله: (ارحمنا برحمتك) المراد من الرحمة هنا صفته تبارك وتعالى وهي المتوسل بها والباء للقسم الاستعطافي وهو من باب سؤال الفضل بالفضل على أحد الوجوه التي ذكرت في قوله صل على سيدنا محمد كما صليت على إبراهيم ولعل وجه الكراهة توهم كون الباء تكون للاستعانة والظرف حال من فاعل ارحمنا أي حال كونك مستعيناً برحمتك وهو عزّ وجلّ غني عن كل شيء لكن هذا الإيهام لا عبرة به فقد

<<  <  ج: ص:  >  >>