دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة الله تعالى، ثم من دخلها استقر فيها أبداً، وأمن الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمة الله تعالى، فكأنه يقول: اجمع بيننا في مستقر نناله برحمتك.
فصل: روى النحاس عن أبي بكر المتقدِّم قال: لا يقل: اللهم أجرنا من النار ولا يقل: اللهم ارزقنا شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنما يَشْفَعُ لمن استوجب النار.
قلت: هذا خطأ فاحش، وجهالة بيِّنة، ولولا خوف الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكر في كتب مصنَّفة لما تجاسرت على حكايته، فكم من حديث في الصحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:
"مَنْ قالَ مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي"
ــ
جاء النص الصحيح الصريح بجوازه فقد تقدم في أدعية الكرب يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ولعل له ملحظاً آخر والله أعلم. قوله:(وإنما يدخلها الداخلون) إيماء إلى أن الإضافة لامية وأنها لأدنى ملابسة.
قوله:(لا تقل اللهم أجرنا من النار) هذا يرده حديث مسلم عن أبي هريرة قال قال -صلى الله عليه وسلم- ما استجار عبد من النار سبع مرات إلا قالت النار يا رب إن عبدك فلاناً استجار مني فأجره الحديث فإن الاستجارة طلب الإجارة ومن ألفاظها اللهم أجرني من النار وتقدم في باب ما يقال بعد صلاة المغرب اللهم أجرني من النار. قوله:(فإنما يشفع لمن استوجب النار) أي إن عذبه الله تعالى على ذنبه وإلا فالنار لا تجب البتة إلا لمن مات على الكفر ولذا قال بعضهم في رد هذا القول وزعم أن الشفاعة لا تكون إلا للمذنبين فسؤالها سؤال للذنب خطأ صريح لأنها تكون في رفع الدرجات وقد أجمعوا على طلب سؤال المغفرة وإن استدعت وقوع الذنب وطلب العفو عنه اهـ. قوله:(كقوله -صلى الله عليه وسلم- من قال مثل ما يقول المؤذن حلت له شفاعتي) صريحة وجوب الشفاعة للمجيب وإن لم يسأل بعده