للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيثما كنتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُها،

ــ

آخراً فأنا أهل أن أغفر له وقد تضاف التقوى إلى عقابه أو مكانه أو زمانه نحو {وَاتَّقُوا النَّارَ} {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}.

وقوله: (حيث كنت) أي في أي مكان كنت فيه حيث يراك النّاس ولا يرونك اكتفاء بنظره تعالى قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} وسبق قوله لأبي ذر أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته وما أحسن قول من قال:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب

وهذا من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم- فإن التقوى وإن قل لفظها فإنها كلمة جامعة لحقوقه تعالى وهي أن يتقى حق تقاته أي يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر خرجه الحاكم مرفوعاً قيل وهو منسوخ باتقوا الله ما استطعتم وينبغي أن يقال لا نسخ إذ لا يصار إليه إلا بشرط لم توجد كما يعلم من محله فالأولى أن يقال المراد أن يطاع فلا يعصى بحسب الاستطاعة وكذا ما بعده، ولحقوق عباده بأسرها. فمن ثم اشتملت على خير الدارين ثم حقيقة التقوى متوقفة على العلم إذ الجاهل لا يعلم كيف يتقي لا من جانب الأمر ولا من جانب النهي وبهذا تظهر فضيلة العلم وثمرته على سائر العبادات والأحوال والمقامات لتوقفها جميعها عليه ومن ثم ورد مرفوعاً ما عبد الله بشيء أفضل من فقه والمراد بالعلم المتوقف عليه ذلك هو العلم العيني الذي لا رخصة لمكلف في تركه وهو تعلم ما أنت متلبس به فنحو الصلاة وشروطها وأركانها يتعين على كل مكلف تعلم ظواهرها وما يكثر وقوعه منها وكذا الزكاة لمن له مال والحج لمن له استطاعة وعلم كل ما يحاوله الإنسان من بيع ونكاح فمن علم ما خوطب به عيناً أو أراد التلبس به ثم اجتنب كل منهي وفعل كل مأمور فهو المتقي الكامل الذي لا يزال يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الحديث. قوله: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) أي كما قال الله تعالى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} سبب نزولها في الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة ثم أتى فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزلت هذه الآية فدعاه فقرأها عليه فقال رجل هذا له خاصة قال: بل للناس عامة وجاءت أحاديث أخر في هذا المعنى ووجه مناسبة هذه الجملة لما قبلها أنه لما كان العبد مأموراً بالتقوى في السر والعلانية مع أنه لا بد أن يقع منه

<<  <  ج: ص:  >  >>