للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخالِقِ النَّاس بِخُلُقٍ حَسَنٍ"

ــ

أحياناً تفريط في التقوى إما بترك مأمور أو فعل منهي عنه ومع ذلك لا ينافي وصفه بالتقوى كما يدل عليه نظم سياق {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} إلى أن قال في وصفهم {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} الخ أرشده -صلى الله عليه وسلم- إلى دواء يمحو به أثر ذلك التفريط بقوله وأتبع السيئة الحسنة الخ بأن تباشر الحسنات عقب ما فرط منك من السيئات لتكون له مكفرات والحسنة ما ندب إليه الشارع والسيئة ما نهى عنه أصلها سيوئة من ساء يسوء سوءاً ومساءة قلبت الواو ياء وأدغمت فيه، وظاهر قوله تمحها وقول الله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} أنها تمحى حقيقة من الصحيفة، والكازروني قال تمحها أي تمح هذه الحسنة السيئة أي يمحو الله بها آثارها من القلب أو من ديوان الحفظة وزاد ويثبت مكانها الطاعات اهـ. وقيل عبر به عن ترك المؤاخذة فهي موجودة فيها بلا محو إلى يوم القيامة وهذا تجوز يحتاج لدليل وإن نقله القرطبي في تذكرته وقال بعض المفسرين إنه الصحيح عند المحققين ولعل من فوائده

على القول الثاني ذهاب أثرها وهو السواد الناشئ عن العصيان من القلب وإليهما أشار كما تقدم مراراً

وفيه أن إثبات الطاعات زائدة على مفهوم المحو ثم هذا في الصغائر المتعلقة بحق الله تعالى أما الكبيرة فلا يمحوها إلا التوبة بشروطها ويمكن دخولها في الحديث بأن يراد بالسيئة الكبيرة وبالحسنة التوبة منها ويؤيده أنه جاء في حديث مرفوع من جملة وصاياه لمعاذ لما توجه إلى اليمن وإن أحدثت ذنباً فأحدث عنه توبة إن سراً فسر وإن علانية فعلانية وأما التبعات فلا يكفرها إلا إسقاط مستحقها أو إرضاء الله لمستحقها فيعفو عنه. قوله: (وخالق النّاس بخلق حسن) تقدم أن الخلق بضم المعجمة ملكة تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير سبق روية وأن الخلق الحسن فسر بأنه هيئة راسخة يصدر عنها جميع الأفعال بسهولة وفسر بعضهم الخلق الحسن بطلاقة الوجه وكف الأذى وبذل المعروف ذكره الترمذي وغيره وقال بعضهم المعنى خالق النّاس بما تحب أن يعاملوك به وهو راجع في المعنى إلى الأول وقال عبد الله الرازي الخلق الحسن استصغار ما منك واستعظام ما إليك وقال شاه الكرماني علامة حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤن قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنكم لن تسعوا النّاس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه

<<  <  ج: ص:  >  >>