وحسن الخلق واعلم أن الخلق وإن كان سجية في الأصل ومطبوعاً فقد يمكن الإنسان أن يتخلق بغير خلقه حتى يتصف بالأخلاق الحسنة العلية ولذا صح الأمر بتحصيله وتحسينه في قوله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ:"حسن خلقك مع النّاس" إذ لا يؤمر بما طبع عليه فإنه تحصيل الحاصل فأفاد الخبر أن تحسينه من كسب الإنسان وذلك يحصل بنحو النظر في أخلاقه -صلى الله عليه وسلم- وما صدر عنه من أعاليها مع النّاس فيما يمكن أن يتأسى به فيه منها ثم بصحبته لأهل الأخلاق الحسنة والاقتداء بهم في ذلك ثم بتصفية نفسه من ذميم الأوصاف وقبيح الخصال ثم برياضتها إلى أن يتجلى بجميل الأخلاق ومعالي الأحوال فحينئذٍ يثاب على تلك الأخلاق الحميدة لأنها من كسبه فهو نظير استعمال الشجاعة في محلها بملاقاة العدو فإن الشجاع يثاب على هذا الاستعمال لا على نفس الشجاعة لأنها من الأمور الجبلية التي لا تدخل تحت الاختيار وإنما الذي يدخل تحته تكسب المعالي الموجب لإيقاع تلك الغريزة في محلها والحاصل أن الخلق أصله غريزي وبالنسبة إلى ما يستعمل فيه مكتسب ثم حكمة إفراده بالذكر مع أنه من خصال التقوى ولا تتم إلا به الرد إلا على من يظن أنها القيام بحقوق الله فقط إذ كثيراً إما يغلب على من يعتني بحقوقه والانعكاف على محبته وخشيته إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها وما ورد أن الجمع بين الحقين عزيز جداً إذ لا يقوى عليه إلا الكمل من الأنبياء والأولياء والصديقين ومن ثم فسروا الصالح الذي يدعو له كل مصل في تشهده بأنه القائم بهما وفي ذلك مناسبة تامة لحال معاذ فإنه وصاه بذلك عند بعثه إلى اليمن معلماً لهم وقاضياً ومن هو كذلك معرض لمخالطة النّاس بخلق حسن ويحتاج لذلك ما لا يحتاجه من لا يخالطهم. قوله:(رويناه في الترمذي) قال في الجامع الصغير رواه أحمد والترمذي وصححه والحاكم والبيهقي عن أبي ذر ورواه أحمد والترمذي والبيهقي عن معاذ ورواه ابن عساكر عن أنس اهـ. وتقدم في باب فضل الذكر الجواب عن الجمع بين وصفي الصحة والحسن في الحديث، وهذا الحديث جامع لسائر أحكام الشريعة إذ هي لا تخرج عن الأمر والنهي فهو كل الإسلام لأنه متضمن لما تضمنه حديث