وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والشرُّ ليسَ إليكَ" فاعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم من علماء المسلمين أن جميع الكائنات خيرَها وشرَّها، نفعَها وضرَّها كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره، وإذا ثبت هذا
ــ
وما أحسن ما روي عن علي قيل له فما يقوله الشعبي فيه قال لم يكن يكذب في حديثه وإنما كان يكذب في رأيه اهـ، وأبدى الذهبي ذلك احتمالًا والمراد بالرأي المذكور التشيع وبسببه ضعفه الجمهور ثم رأيت عن أبي حاتم في حق الحارث شيئًا يصلح أن يحمل تكذيب الشعبي عليه قال كان الحارث أعلم الناس بالفرائض وكان يروي ذلك عن علي فقيل له سمعت هذا كله من علي فقال سمعت منه بعضًا وبعضًا أقيسه على قوله وقد بسط ابن عبد البر في كتاب بيان العلم ما يتعلق بذلك اهـ.
قوله:(وأَمَا قَولهُ والشرُّ ليسَ إِليَكَ فاعلَمْ أَن مَذهَبَ أَهْلِ الحق إلخ) أنكرت المعتزلة إرادته تعالى للشر والقبيح حتى قالوا أنه تعالى أراد من الكافر والفاسق الإيمان والطاعة لا الكفر والمعصية زعمًا منهم أن إرادة القبيح قبيحة كخلقه وإيجاده واستدلوا بهذا الحديث أي قوله والشر ليس إليك بناء على تقدير متعلق الجار منسوبًا ومنعه أهل السنة وقالوا القبيح كسب القبيح والاتصاف به ومتعلق الظرف ليس منسوبًا بل متقربًا أو منسوبًا أي لا يليق بالأدب نسبته إليك وإن كنت فاعله وعند المعتزلة أكثر ما يقع من أفعال العباد على خلاف إرادة الله تعالى وهذا شنيع جدًّا والمعتزلة اعتقدوا أن الإرادة والمشيئة والرضا والمحبة والأمر بمعنى ونحن لا نقول به بل نقول الإرادة والمشيئة بمعنى والرضا والمحبة كذلك والأمر لا يستلزم الإرادة فقد يكون الشيء غير مراد ويؤمر به وقد يكون مرادًا وينهى عنه لحكم ومصالح يحيط بها علمه تعالى ولأنه لا يسأل عما يفعل واستدلت المعتزلة بنحو ولا يرضى لعباده الكفر، إن الله لا يأمر بالفحشاء، ولا دليل لأنا نقول بمقتضاهما لما تقرر من أن الإرادة غير الرضا والأمر ولنا قوله تعالى: ({فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام: ١٤٩] وقول السلف قبل ظهور أهل البدعة "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" وليس هذا محل تحقيق المرام ومجمله أن كتب أهل السنة مختلفة في هذه المسألة فقال إمام الحرمين إن من حقق لم يشك أن المعاصي بمحبته ونقله بعضهم