للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَشق سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، تبارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخالِقينَ".

وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن، عن عوف بن مالك ما قدَّمناه في فصل الركوع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع ركوعَه الطويل يقول فيه: "سُبْحانَ ذِي الجَبرُوتِ وَالمَلَكُوتِ والكِبْرِياءِ

ــ

أولى. قوله: (وشَق سمعه وبصَرهُ) أي منفذهما إذ السمع ليس في الأذنين بل في مقعر الصماخ وفيه دليل على أن الأذنين من الوجه وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وقال

الشافعي هما عضوان مستقلان والمراد بالوجه في الخبر الذات ومنه ما في قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨] أو على حقيقته والإضافة فيه لأدنى ملابسة وهي المشارفة والمقاربة. قوله: (أحسَنُ الخالقينَ) أي المصورين والمقدرين أو حسن الخالقية وإلَّا فلا خالق أي موجد غيره قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: ٦٢] وفي كتاب "روضة التحقيق في قصة يوسف الصديق"، قوله تعالى: ({فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)} [المؤمنون: ١٤] إن الخلق الذي يضاف إليه تعالى من ثلاثة أوجه بمعنى الإبداع والاختراع من العدم إلى الوجود ويكون شيء من لا شيء وبمعنى التغيير والتحويل من حال إلى آخر قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: ١٤] إلخ، أي حولناها من حالة إلى حالة وبمعنى التصوير فالخلق بمعنى الإحداث والاختراع هو الذي انفرد به قال تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: ٣] أما الخلق الذي يدخل في باب المبالغة فبمعنى التحويز والتصوير نحو {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤)} أي المحوزين والمصورين اهـ. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه هذا ونحو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين مشكل لأن أفعل التفضيل لا يضاف إلَّا إلى جنسه وهنا ليس كذلك لأن الخلق من الله بمعنى الإيجاد ومن غيره بمعنى الكسب وهما متباينان والرحمة إن حملت على الإرادة صح المعنى لأنه يصير أعظم إرادة من سائر المريدين وإن جعلت من مجاز التشبيه وهو أن معاملته تشبه معاملة الراحم صح المعنى أيضًا لأن ذلك مشترك بينه وبين عباده وإن أراد إيجاد فعل الرحمة كان مشكلًا إذ لا موجد إلّا الله تعالى وأجاب السيف الآمدي إن معناه أنه أعظم من تسمى بهذا الاسم قال الشيخ وهذا مشكل لأنه جعل التفاضل في غير ما وضع اللفظ بإزائه وهذا يساعد المعتزلة ويصح على مذهبهم لأن الفاعلين عندهم كثيرون اهـ.

قوله: (وَرَوَينَا في الحدِيث الصحيح إلخ) تقدم تخريجه في أذكار الركوع وما في قول الشيخ إنه

<<  <  ج: ص:  >  >>