هذا إذا أريد بالتسليم الانقياد فإن أريد به الدعاء بأن الله يسلم عليه كان معناه واضحًا وقال ابن عبد السلام في مقاصده هو مصدر سلم يسلم سلامًا وقيل جمع سلامة كملامة وملام.
وقال الطيبي أصل سلام عليك سلمت عليك سلامًا ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، قال ثم التعريف إما للعهد التقديري أي ذلك السلام الذي وجه للأنبياء والأمم السابقين عليك متوجه إليك أيها النبي والسلام الذي وجه لصالحي الأمة إلينا وإلى إخواننا المؤمنين وإما للجنس أي حقيقة السلام الذي يعرفه كل أحد وعمن يصدر وعلى من ينزل عليك وعلينا وإما للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى:{وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}[النمل: ٥٩] قال ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة اهـ، وحكى صاحب الإقليد أن التنكير فيه للتعظيم وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة وتقدم في كلام البيهقي وجه الإتيان بعلى وقال وغيره إنما جيء بعليك دون بك لأن المراد والمعنى قضى الله بهذا وقضاؤه إنما ينفذ في العبد من قبل ملكه وسلطانه عليه فظهر أن قضاء الله عليك بالسلامة أبلغ من قضائه لك بها، ومن استعمال نحو ذلك إخبارًا مرادًا به الدعاء قوله تعالى {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} كذا في فتح الإله، قال الطيبي وإنما لم يأت بلفظ الغيبة وهو الذي يقتضيه السياق فتقول سلام على النبي لأجل اتباع لفظ الشارع بعينه الذي علمه الصحابة وفي شرح المشكاة لابن حجر وكان وجه مخاطبته بذلك الإشارة إلى أن الله يكشف له - صلى الله عليه وسلم - عن المصلين من أمته حتى يكون كالحاضر معهم ليشهد لهم بأفضل الأعمال وليكون تذكر حضوره سببًا لمزيد الخضوع والخشوع ثم رأيت الأمة عدوًا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - إن أعمال أمته تعرض عليه ويستغفر لهم واستدلوا بما رواه ابن المبارك عن ابن المسيب ليس من يوم إلَّا ويعرض على النبي - صلى الله عليه وسلم - أعمال أمته غدوة وعشيًّا فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم اهـ، وهو مؤيد لما ذكرته ورأيت الغزالي قال في الإحياء وقبل قولك السلام عليك أيها النبي أحضر شخصه الكريم في قلبك ليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه اهـ، ويحتمل أن يقول على طريق أهل العرفان إن المصلين لما استفتحوا باب الملك بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت فقرت