بتركه بعد الشروع فيه، ولكن معناه: أراد أن يشرع في الأذان فقيل له: أبرد، فترك الشروع، والدليل عليه لفظ أبي عوانة: ((فأرادَ أنْ يؤذِّنَ فقالَ: مه يا بلال)) كما ذكرناه، ومعناه: اسكت، لا تشرعْ في الأذان، والأقرب في هذا أن يحمل اللفظان على حالتين فلا يحتاج إلى ذكر الجمع بينهما. انتهى.
قلت: ما قاله شيخنا هو الأقرب؛ لأنَّ الأصل عدم التعدُّد، والظَّاهر من هذا الحديث إنَّه بعد التأذين، وما أوَّله العَيني لا يحتاج معه إلى جمع؛ لأنَّه جعل معنى (أَذَّنَ) أراد أن يؤذِّن كما في الرواية الأخرى، فعلى هذا ما فائدة قوله: على حالتين، لأنَّ الحالتين على تأويله كالحالة الواحدة، وإلا فيكون معنى هذه الرواية أنَّه أمره بالإبراد بعد الأذان، وقد قال: إنَّه لا يؤمر بتركه بعد الشروع فتأمَّله. انتهى.
٥٣٦ - قوله: (حَدَّثَنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ) المديني، أي الإمام المُبَرِّز.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي ابن عُيَيْنَة.
قوله: (قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ) أي محمَّد بن مسلم.
قوله: (عَنْ سَعِيْدِ بنِ المسَيِّبِ) أي ابن حَزن، أبو محمَّد القُرَشي المَخزُومي المديني، ختن أبي هريرة على ابنته وأعلم النَّاس بحديثه.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ) أي عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه القول والحفظ في هذه الرواية وفي رواية الإسماعيلي عن جعفر الفِرْيابي عن علي بن المديني شيخ المصنِّف فيه بلفظ: (حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ) موضعَ (حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ)، ورواية البخاري أبلغ؛ لأن حفظ الحديث من الشيخ فوق مجرد سماعه منه، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وقوله: (عَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ)، كذا رواه أكثر أصحاب سُفْيان عنه، ورواه أبو العبَّاس السرَّاج عن أبي قدامة عن سُفْيان عن الزُّهْري عن سعيد أو أبي سلمة أحدهما أو كلاهما، ورواه أيضًا من طريق سعيد بن أبي حمزة عن الزُّهْري عن أبي سلمة وحدَه، والطريقان محفوظان، فقد رواه اللَّيث وعَمْرو بن الحارث عند مسلم، ومَعْمَر وابن جُرَيج عند أحمد وابن أخي الزُّهْري وأسامة بن زيد عند السرَّاج ستتهم عن الزُّهْري عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة.
قوله: (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ فَأَبرِدُوا بِالصَّلَاةِ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، وَاشتَكَتِ النَّار إِلى رَبِّها فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَها بِنَفَسَينِ، نَفَسٍ فِي الشِّتاء وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، أَشَدِّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدِّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيْرِ).
مطابقته للترجمة ظاهرة.
هذا الحديث أخرجه النَّسائي في الصَّلاة أيضًا عن قُتَيْبَة ومحمَّد بن عبد الله كلاهما عن علي بن المديني.
٥٣٧ - قوله: (اشتَكَتِ النَّارُ) قيل: إنَّه موقوف، وقيل: معلَّق، وهو غير صحيح، بل هو داخل في الإسناد المذكور، والدليل عليه: أنَّ في رواية الإسماعيلي قال: ((واشْتَكَتِ النَّارُ)) أي قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم: ((اشْتَكَتِ النَّارُ))، قال شيخنا: وقد أفرده أحمد في «مسنده» عن سفيان، وكذلك السَّرَّاج من طريق سُفْيان وغيره. انتهى.
وشكوى النَّار إلى ربِّها يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون بطريق الحقيقة، أي بلسان القال، والثاني: بطريق المجاز، أي لسان الحال، قال ابن عبد البرِّ: لكلا القولين وجه ونظائر، والأوَّل أرجح، وإليه ذهب عياض، وقال القُرْطُبي: لا إحالة في حمل اللَّفظ على الحقيقة؛ لأنَّ المخبر الصادق بأمر جائز