لا تجبر بالمال كما يجبر الصَّوم وغيره. قال العَيني: اللهمَّ إلَّا إذا كانت عليه صلوات فائتة، فحضره الموت، فأوصى بالفدية عنها فإنَّه يجوز كما بيَّن في الفروع، وفيه أنَّ بعضهم احتجَّ بقوله:(إِذَا ذكَر) على جواز قضاء الفوائت في الوقت المنهي عن الصَّلاة فيه.
قال العَيني محاماة لمذهبه: ليس بلازم أن يصلِّي في أوَّل حال الذكر، غاية ما في الباب أنَّ ذكره سبب لوجوب القضاء، فإذا ذكرها في الوقت المنهي، وأخَّرها إلى أن يخرج ذلك وصلَّى؛ يكون عاملًا بالحديثين أحدهما هذا والآخر حديث النَّهي في الوقت المنهي عنه. انتهى. وفيه أنَّ شرع من قبلنا شرع لنا، لأنَّ المخاطب بالآية المذكورة موسى عليه السلام، وهو الصحيح في الأصول ما لم يرد ناسخ.
قوله:(قَالَ مُوْسَى) أي دون أبي نُعَيم، قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بعدُ: {وأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي}[طه: ١٤] أي قال موسى بن إسماعيل وهو أحد شيخي البخاري المذكورين في أوَّل الحديث.
(سَمِعْتُهُ) يعني سمعت قَتَادَة (يَقُولُ بَعْدُ) -بضمِّ الدال- أي بعد زمان رواية الحديث، قال العَيني: حاصله أنَّ همامًا سمعه من قَتَادَة مرَّة بلفظ: {للذكرى} يعني بقراءة ابن شهاب الَّتي ذكرناها، ومرَّة بلفظ:{لِذِكْرِي} بالقراءة المشهورة وقد اختُلِفَ في هذه هل هي من كلام قَتَادَة أو هي من قول النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؟ وفي رواية مسلم عن هَدَّاب قال قَتَادَة:{وأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي}[طه: ١٤]، وفي روايته الأخرى من طريق المثنَّى عن قَتَادَة قال رسول الله صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم:((إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلاة، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ:{وأَقِمِ الصَّلاة لِذِكْرِي}[طه: ١٤])). وهذا ظاهره أن الجميع من كلام النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
قوله:(وَقَالَ حَبَّانُ) أي -بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحَّدة- ابن هلال، قلت: الباهِلي، ويقال: الكِناني البصري، يكنَّى أبا حَبَيب سمع همَّام بن يحيى عندهما، وشُعْبَة وداود بن أبي الفرات وهارون بن المقرئ عند البخاري، وسُلَيمان بن المغيرة وأَبان بن يزيد ووَهَيْبًا وحمَّاد بن سلمة وأبا عَوانة عند مسلم، روى عنه أحمد الدَّارمي عندهما، وعبد الله المُسْنِدي ويحيى بن محمَّد بن السَّكَن وعلي بن مسلم عند البخاري، وإِسْحاق بن مَنْصور وأحمد بن خِراش وزُهَير وعبد بن حُمَيْد وعبد الله الدَّارمي عند مسلم، قال الواقدي: مات في شهر رمضان سنة ستَّ عشرة ومائتين. انتهى.
قوله:(حَدَّثَنَا هَمَّامُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَة حَدَّثَنَا أَنَس عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَحْوَهُ) أشار بهذا التعليق إلى بيان سماع قَتَادَة من أَنَس، لأنَّه صرَّح فيه بالتحديث، لأنَّ قَتَادَة من المدلِّسين، وروي عنه أوَّلًا بلفظ عن أَنَس، فأراد أنَّ يقوِّيه بالرواية عنه بلفظ:(حَدَّثَنَا أَنَسٌ)، وهذا التعليق وصله أبو عَوانة في «صحيحه» عن عمَّار بن رجاء عن حبَّان، وفيه أن همَّام بن يحيى سمعه من قَتَادَة مرَّتين، كما في رواية موسى بن إسماعيل.
(٣٨)(بَابُ قَضَاءِ الصَّلوات الأُوْلَى فَالأُوْلَى) أي هذا باب في بيان حكم قضاء الصَّلوات الفائتة