هذه الإعادة، بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب، والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين، فقوله: (لم تفسد صلاتهما) أي: بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفاً، وهو من مصلحة الصلاة أيضاً، وقوله: (تمت صلاته) أي: المأموم، ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولاً مع كونه في غير موقفه؛ لأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم، ويحتمل أن يكون الضمير للإمام، وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف، ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه، ولكن ليس تركاً لإقامة الصف للمصلحة المذكورة، فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة، والله أعلم.
قلت: عَود الضمير إلى المأموم؛ لأن النقص إنما كان في صلاته بوقوفه في غير موقفه، وبهذا الفعل تمت صلاته، وفِعل الإمام ليس نقصاً في صلاته؛ لأنه لمصلحة الصلاة. انتهى، وقال الكرماني: ويحتمل أن يكون الضمير للرجل؛ لأن الفاعل وإن تأخر لفظاً لكنه متقدم مرتبة، فلكل منهما قربٌ من وجه، لكن إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه؛ لئلا يصير كالمار بين يديه.
قال العيني: الأَولى أن يكون الضمير للإمام؛ لأنه هو الذي يحوله من خلفه، ولا معنى لتحويله من خلف الرجل. قلت: في حديث الباب ما يدل على أنه حوَّله من خلف نفسه، وهو قوله: (من ورائي) وهو معدودة من الخوارق!
٧٢٦ - قوله: (حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي، فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَصَلَّى وَرَقَدَ، فَجَاءَهُ المُؤَذِّنُ، فَقَامَ يُصَلِّي وَلَمْ يَتَوَضَّأْ).
مناسبته للترجمة في قوله: (فقُمت عن يساره... إلى آخره) وقد تكرر هذا الحديث فيما مضى وههنا في عدة مواضع، أولها في كتاب العلم في باب السمر بالعلم، ومباحث الحديث قد مرَّت في الأبواب التي تقدمت، وأكثرها في كتاب العلم وفي باب تخفيف الوضوء.
(٧٨) (بابُ المرأةِ تَكونُ وَحدَها صَفّاً) أي: هذا باب في بيان أن المرأة تكون صفاً، اعترض الإساعيلي فقال: الواحد والواحدة لا تسمى صفاً إذا انفردوا وإن جازت صلاته منفرداً خلف الصف، وأقل ما يقوم به الصف باثنين. ورُدَّ عليه بأنه قيل في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا} [النبأ: ٣٨] أن الروح وحدَه صفٌّ، وأجاب الكرماني بأن المراد أنها لا تقف في صف واحد، بل تقف وحدها ويكون في حكم الصف، أو أن جنس المرأة غير مختلطة بالرجال يكون صفاً.
قال شيخنا: هذه الترجمة لفظ حديث أخرجه ابن عبد البر من حديث عائشة مرفوعاً المرأة وحدها صف.
٧٢٧ - قوله: (حَدَّثَنا عَبدُ اللهِ بنُ محمدٍ) أي: الجُعفي المعروف بالمسندي، ترجمته في باب الإيمان، قال شيخنا: هو الجعفي وإن كان عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قد روى هذا الحديث أيضاً عن سفيان. انتهى
قوله: (قالَ: حَدَّثَنا سُفيان) أي: ابن عيينة، ترجمته في كتاب الوحي.
قوله: (عَن إِسحَاق) أي: ابن عبد الله بن أبي طلحة، ترجمته في باب [من قعد] حيث ينتهي به المجلس.
قوله: (عَن أَنَس) أي: ابن مالك، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
في هذا الإسناد التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه القول في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين،