أنَّ ترك الإنكار حجَّة على الجواز بشرطه، وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالاطِّلاع على الفعل، ولا يقال لا يلزم مما ذكر اطلاع النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ذلك؛ لاحتمال أن يكون الصفُّ حائلًا دون رؤية النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم له؛ لأنَّا نقول قد تقدَّم أنَّ في رواية المُصَنِّف فِي الحَجِّ أنَّه (مَرَّ بَيْنَ يَدَي بَعْضِ الصَّفِّ الأَوَّلِ) فلم يكن هناك حائل دون الرؤية، ولو لم يرد شيء من ذلك لكان توفُّر دواعيهم عن سؤاله صلَّى الله عليه وسلَّم عمَّا يحدث لهم كافيًا في الدلالة على اطِّلاعه على ذلك، والله أعلم.
واستُدِلَّ به على أنَّ مرور الحمار لا يقطع الصَّلاة فيكون ناسخًا، لحديث أبي ذرٍّ الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصَّلاة، وكذا المرأة والكلب الأسود، تُعُقِّب بأنَّ مرور الحمار متحقق في حال مرور ابن عبَّاس وهو راكبه، وقد تقدَّم أن ذلك لا يضرُّ لكون سترة الإمام سترة لمن خلفه وإنَّما مروره بعد أن نزل عنه فيحتاج إلى نقل، وقال ابن عبد البرِّ: حديث ابن عبَّاس هذا يخصُّ حديث أبي سعيد: ((إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ)) فإنَّ ذلك مخصوص بالإمام والمنفرد، فأمَّا المأموم فلا يضرُّه من مرَّ بين يديه، لحديث ابن عبَّاس هذا قال: وهذا كلُّه لا خلاف فيه بين العلماء، وكذا نقل عياض الاتِّفاق على أنَّ المأمومين يصلُّون إلى سترة، لكن اختلفوا هل سترتهم سترة الإمام أو سترتهم الإمام نفسه. انتهى.
وفيه نظر لما رواه عبد الرزَّاق عن الحكم بن عَمْرو الغفاري الصحابي أنَّه صَلَّى بأصحابهِ في سفرٍ وبينَ يديهِ سُترَةٌ فمَرَّ حميرٌ بينَ يَدَي أصحابهِ فأعَادَ بهمُ الصَّلاة، وفي رواية أنَّه قالَ لَهُمْ: إنَّها لَمْ تَقْطَعْ صلاتِي ولكن قَطَعَتْ صلاتَكُمْ.
فهذا يُعَكِّر على ما نقل من الاتِّفاق، ولفظ ترجمة الباب وردت في حديث مرفوع رواه الطَّبَرَاني في «الأوسط» من طريق سُوَيد بن عبد العزيز عن عاصم عن أَنَس مرفوعًا: ((سُتْرَةُ الِإمَامِ سُترَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ)) وقال: تفرَّد به سُوَيد عن عاصم. انتهى.
وسويد ضعيف عندهم ووردت أيضًا في حديث موقوف على ابن عُمَر أخرجه عبد الرزَّاق ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مرَّ بين يدي الإمام أحد، فعلى قول من يقول إنَّ سترة الإمام سترة من خلفه يضرُّ صلاته وصلاتهم، وعلى من يقول أنَّ الإمام نفسه سترة من خلفه يضرُّ صلاته ولا يضرُّ صلاتهم.
٤٩٤ - قوله:(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ) قال أبو علي الجَيَّاني: لم أجد إِسْحاق هذا منسوبًا من الرواة، وقال