للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن يرجع فيقول: ألا إن العبدَ نام -كما تقدم-، يعني: أنَّ غلبةَ النوم على عينيه منعتْهُ من تبيين الفجر. وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولاً مرفوعاً ورجاله ثقاتٌ حفاظ. ٌ

لكن اتفقَ أئمةُ الحديث: علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمَّادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفُه على عمر بن الخطاب أنه هو الذي وقع ذلك مع مؤذنه وأن حمادًا انفرد برفعه ومع ذلك فقد وُجِد له متابع: أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زَرْبِيٍّ - وهو بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم ياء كياء النسب - فرواه أيوب عنه موصولاً، لكن سعيدَ ضعيفٌ.

ورواه عبدُ الرزاق عن مَعْمَر عن أيوب أيضاً لكنَّه أعضَلَه فلم يذكر نافعاً ولا ابن عمر.

وله طريق أخرى عن نافع عند الدارقطني وغيره، اختُلِف في رفعها ووقفِها أيضاً، وأخرى مرسلةٌ من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حُميد بن هلال، وأخرى من طريق شعبة عن قتادة مرسلةً، ووصلها أبو يوسف عن سعيد بذكر أنس. وهذه طرق تقوَّى بعضُها ببعض قوةً ظاهرة، فلهذا والله أعلم استقر بلال يؤذن الأذان الأول.

وسنذكر اختلافهم في تعيين الوقت المراد من قوله: (يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ) في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى.

قوله: (بِلَيْلٍ) الباء فيه للظرفية.

(١٣) بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ

أي هذا بابٌ في بيان حكم الأذان قبل طلوع الفجر، هل هو مشروع أم لا؟ وميلُ البخاري إلى الإعادة بدليل إيرادِه الأحاديثَ في هذا الباب الدالة على الإعادة، وقد بيَّنَّا المذاهبَ فيه مفصلةً فيما مضى.

قال شيخنا: وإن كان إعادةً لكن لا يخلو عن فائدة، وإلى مشروعيته مطلقاً ذهب الجمهور وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد، وإلى الاكتفاء مطلقاً ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف ابنُ خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث، وقال به الغزالي في «الإحياء».

وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء. وتُعُقِّب بحديث الباب، وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يَدُلُّ. وعلى التنَزُّلِ فمحله فيما إذا لم يَرِد نطقٌ بخِلافه، وهنا قد ورد.

وحديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما لا يُشعر بعدم الاكتفاء، وكأنَّ هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثيهما في هذا الباب عقب حديث ابن مسعود، نعم حديثُ زياد بن الحارث عندَ أبي داود يدل على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذَّنَ قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام. لكن في إسناده ضعف.

وأيضاً فهي واقعةُ عين وكانت في سفر، ومن ثَمَّ قال القرطبي: إنه مذهب واضحٌ غيرَ أن العمل المنقولَ بالمدينة على خلافِه فلم يَرُدَّهُ إلا بالعمل على قاعدة المالكية.

وادعى بعض الحنفية كما حكاه السروجي

<<  <   >  >>