للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في مقدار وقت الإبراد، فقيل: أن يؤخِّر الصَّلاة عن أوَّل الوقت مقدارًا يظهر للحيطان ظلٌّ، وظاهر النصِّ: أنَّ المعتبر أن ينصرف من الصَّلاة قبل آخر الوقت، ويؤيِّده حديث أبي ذرٍّ: ((حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُوْلِ) وقال مالك: إنَّه يؤخِّر الظُّهر إلى أن يصير الفيء ذراعًا، وسواء في ذلك الصَّيف والشِّتاء، وقال أَشْهَب في «مدونته» : لا يؤخِّر الظُّهر إلى آخر وقتها، وقال ابن بَزيزَةَ: ذكر أهل النَّقل عن مالك: إنَّه كره أن يصلِّي الظُّهر في أوَّل الوقت، وكان يقول: هي صلاة الخوارج وأهل الأهواء، وأجاز ابن عبد الحكم التأخير إلى آخر الوقت، وحكى أبو الفَرَج عن مالك: أوَّل الوقت أفضل في كلِّ صلاة إلَّا الظُّهر في شدَّة الحرِّ. وعن أبي حنيفة والكوفيين وأحمد وإِسْحَاق: يؤخِّرها حتَّى يبرد الحرِّ.

وقد استدلَّ بعض الثَّاني (١) بقوله: ((أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ)) على أنَّ الإبراد يشرع في الجمعة أيضًا؛ لأنَّ لفظ الصَّلاة يطلق على الظُّهر والجمعة، والتعليل مستمرٌّ فيهما، وفي «التَّوضيح» : اختلف في الإبراد بالجمعة على وجهين لأصحابنا، أصحُّهما عند جمهورهم: لا يُشرع، وهو مشهور مذهب مالك أيضًا، فإنَّ التبكير سنَّة فيها. انتهى.

قال العَيني: مذهب الحنفيَّة أيضًا التبكير يوم الجمعة؛ لما ثبت في الصحيح: أنَّهم كانوا يرجعون من صلاة الجمعة وليس للحيطان ظلٌّ يستظلُّون به من شدَّة التبكير لها أوَّل الوقت، فدلَّ على عدم الإبراد، والمراد بالصلاة في الحديث الظُّهر كما ذكرناه، فعلى هذا لا يبرد بالعصر إذا اشتدَّ الحرُّ فيه. وقال ابن بَزيزةَ: إذا اشتدَّ الحرُّ في العصر هل يبرد بها أم لا؟ المشهور نفي الإبراد بها، وتفرَّد أشهب بإبراده وقال أيضًا: وهل يبرد الفَذُّ أم لا؟ والظاهر: أنَّ الإبراد مخصوص بالجماعة. وهل يبرد في زمن الشِّتاء أم لا؟ فيه قولان، والظَّاهر نفيه، وهل يبرد بالجمعة أم لا؟ المشهور نفيه. انتهى.

وقال شيخنا: وقد حمل بعضهم الصَّلاة على عمومه بناءً على أنَّ المفرد المعرَّف يَعُمُّ، فقال به أشهب في العصر، وقال به أحمد في رواية عنه في العشاء حيث قال: يؤخِّر في الصَّيف دون العشاء، ولم يقل به أحد في المغرب ولا في الصُّبح لضيق وقتهما. انتهى.

وفيه دليل على وجود جهنَّم الآن، قلت: وفيه دليل على أنَّ جهنَّم في هذا العالم. انتهى.

٥٣٥ - قوله: (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ) أي الملقَّب بُنْدَار.

قوله: (حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ) أي محمَّد بن جعفر ابن امرأة شعبة، لقبه غُنْدَر.

قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج.

قوله: (عَنِ المهَاجِرِ أبي الحَسَنِ) أي بلفظ اسم الفاعل من باب المفاعلة، ويُكنى بأبي الحسن.

قوله: (سَمِعَ زَيدَ بنَ وَهْبٍ) أي أبو سُلَيمان الهَمْداني الجُهَني، قال: رحلت إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقُبض وأنا في الطَّريق، مات زمن الحجَّاج.

قوله: (عَن أَبِي ذَرٍّ) أي الغفاري الصحابي المشهور، واسمه جُنْدُب بن جُنَادة على المشهور.

في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته ما بين بصري وكوفي، وفيه ذكر أحد الرُّواة بلقبه والآخر بكنيته وهو المهاجر فإنَّ كنيته أبو الحسن ذُكرت للتمييز، فإنَّ في الرُّواة المهاجرُ بنُ مِسْمار المدني من أفراد مسلم، والألف واللَّام فيه للمح الصفة كما في العبَّاس؛ فإنه في الأصل صفة ولكنَّه صار علمًا وسيأتي في الباب الذي بعده


(١) كذا في الأصل، وفي عمدة القاري: وعن أبي حنيفة والكوفيين وأحمد واسحاق يؤخرها حتَّى يبرد الحر، الوجه الثَّاني أن بعض النَّاس استدلوا بقوله.

<<  <   >  >>