فلا يعمل به، ويؤيِّده: أنَّ مقتضى تجنب الكبائر أنَّ هناك كبائر، ومقتضى (ما اجتُنِبَت الكبائر) أنَّ لا كبائر، فيُصان الحديث عنه.
قوله: (بِهَا) أي بالصلوات، ويروى: (بِهِ) بتذكير الضَّمير، أي بأداء الصَّلوات.
قلت: فيه استحباب الوعظ، وأن الواعظ يمثل بالأشياء المحسوسة للمعاني المعقولة ليفهم السَّامع، وفيه أنَّ الذُّنوب تؤثِّر في الإنسان كما يؤثِّر الوسخ في الثَّوب، قال الله تعالى: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوْبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُوْنَ} [المطففين: ١٤]، والرين يعلو القلب كالصدأ، فإن تداركه الإنسان بالجلاء بالتوبة والذكر انجلى، وإن تركه حتَّى تراكم وكثر ولم يتب يخاف عليه ألَّا يصلحه إلَّا النَّار كالحديدة إذا تراكم عليها الصَّدأ، وانظر في الحديث تجد الصَّلوات الخمس فيها تداركٌ مع قرب عهد، والله أعلم.
وفيه أنَّ المتكلِّم بالعلم مع غيره يطلب منه الموافقة على المقدِّمات المتَّفق عليها ليفهم القياس، وفيه أنَّ الحسنات يذهبن السيئات، وفيه ردٌّ على من يوجب العقاب على العاصي بقدر معصيته. انتهى.
(٧) (بَابٌ في تَضيِيعِ الصَّلاة عَن وَقْتِها) أي هذا باب في بيان تضييع الصَّلاة عن وقتها، وتضييعها: تأخيرها إلى أن يخرج وقتها، وقيل: تأخيرها عن وقتها المستحبِّ، قال العَيني: والأوَّل أظهر؛ لأن التضييع إنَّما يظهر فيه، وهذه الترجمة إنَّما تثبت في رواية الحموي والكُشْمِيهَني، وليست بثابتة في رواية الباقين.
٥٢٩ - قوله: (حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ) أي المِنقَري التَّبوذكي.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ) أي -بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الدَّال المهملة- ابن ميمون أبو يحيى، مات بالمدينة سنة اثنتين وسبعين ومائة.
قوله: (عَنْ غَيْلَانَ) أي -بفتح الغين المعجمة- ابن جرير.
قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابن مالك رضي الله عنه.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الإفراد في موضع، وبصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه أنَّ إسناده كلُّهم بصريون.
قوله: (قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا ممَّا كَانَ عَلى عَهْدِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَبْلَ الصَّلَاةِ، قَالَ: أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيْهَا؟).
وجه مطابقته للترجمة في قوله: (أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيْهَا؟) يعني: من التضييع.
هذا الحديث من أفراد البخاري.
قوله: (قِيْلَ: الصَّلَاةُ) أي قيل له: الصَّلاة هي شيء مما كان على عهد النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم وهي باقية، فكيف تصدق القضيَّة السالبة عامَّة. قال شيخنا: وهذا الذي قال لأنس ذلك يقال له: أبو رافع، بيَّنه أحمد بن حنبل في روايته لهذا الحديث عن رَوْح عن عُثْمان بن سعد عن أَنَس فذكر نحوه، فقال أبو رافع: يا أبا حمزة، ولا الصلاة؟ فقال له أنس: قد علمتم ما صنع الحجَّاج في الصَّلاة. انتهى. فأجاب أَنَس بقوله: أليس صنعتم ما صنعتم فيها؟ يعني: من تضييعها، وهو خروجها عن وقتها. وقال المُهَلَّب: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحبِّ، لا أنَّهم أخرجوها عن الوقت، وتبعه على هذا جماعة.
قال العَيني: الأصحُّ ما ذكرناه؛ لأنَّ أنسًا رضي الله عنه إنَّما قال ذلك حين علم أنَّ الحجَّاج والوليد بن عبد الملك وغيرهما كانوا يؤخِّرون الصَّلاة عن وقتها، والآثار في ذلك مشهورة، منها ما رواه عبد الرزَّاق عن ابن جُرَيج عن عطاء قال: أخَّر الوليد الجمعة حتَّى أمسى، فجئت فصلِّيت الظُّهر