للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان، الجملة أعني قوله: (ما كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا) ويجوز أن يكون الخبر هو قوله: (عِنْدَ المِنْبَرِ)، وقوله: (مَا كَادَتِ الشَّاةُ) استئنافًا تقديره: إذا كان الجدار عند المنبر فما مقدار المسافة بينهما؟ فأجاب: (مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوْزُهَا)، أي مقدار ما كادت الشاة تجوز المسافة، وليس بإضمارٍ قبل الذكر؛ لأنَّ سوق الكلام يدلُّ عليه.

قال العَيني: ثمَّ اعلمْ أنَّ كادَ من أفعال المقاربة، وخبره يكون فعلًا مضارعًا بغير أن كما في هذه الرواية، ويروى: <أنْ تَجُوْزَهَا> فإن قلت: ما وجه دخول أن؟ قال العَيني: قد تدخل أن على خبر كاد كما تحذف من خبر عسى؛ إذ هما أخوان يتعارضا. فإن قلت: إذا دخل حرف النَّفي على كاد يكون للنفي كما في سائر الأفعال، فما حكمه ههنا؟ أجاب: القواعد النحويَّة تقتضي النفي، والموافق ههنا الإثبات للحديث الأوَّل، وهذا الحديث والذي قبله يدلان على أنَّ القرب من السترة مطلوب.

وقال ابن القاسم عن مالك: ليس من الصَّواب أن يصلِّي وبينه وبين السترة صفان. وروى ابن المنذر عن مالك: أنَّه تباعد عن سترته، وأنَّ شخصًا قال له: أيها المصلِّي ألا تَدْنُ من سترةٍ! فمشى الإمام إليها وهو يقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيْمًا} [النساء: ١١٣].

قال شيخنا: وقد ورد الأمرُ بالدُّنوِّ منها، وفيه بيان الحكمة في ذلك، وهو ما رواه أبو داود وغيره من حديث سهل بن أبي حَثْمَةَ مرفوعًا: ((إِذَا صلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيطان عَلَيْهِ صَلَاتَهُ)).

قال ابن بطَّال: أقل ما يكون بين المصلِّي وسترته قدر ممرِّ الشاة. وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع؛ لحديث بلال: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى فِي الكَعْبَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ)) كما سيأتي قريبًا بعد خمسة أبواب. وجمع الدَّاُودي: بأنَّ أقلَّه ممرُّ الشَّاة، وأكثره ثلاثة أذرع. وجمع بعضهم: بأنَّ الأوَّل في حال القيام والقعود، والثاني في حال الركوع والسُّجود. وقال ابن الصَّلاح: قدَّروا ممرَّ الشَّاة بثلاثة أذرع. قال شيخنا: ولا يخفى ما فيه. وقال البَغَويُّ: استَحَبَّ أهل العلم الدُنُوَّ من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السُّجود، وكذلك بين الصُّفوف.

(٩٢) (بَابُ الصَّلاة إِلى الحَرْبَةِ) أي هذا بابٌ في بيان الصَّلاة إلى جهة الحربة المركوزة بينه وبين القبلة، وقد بيَّنا: أنَّ الحربة دون الرمح العريضِ النَّصْلِ. وقال أهل السِّير: كانت للنَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حربة

<<  <   >  >>