أخرجه عن محمَّد بن شاذان عن محمَّد بن جعفر عن شُعْبَة، وههنا أخرجه عن محمَّد بن حاتم.
قوله:(تَبِعْتُهُ أَنَا) وإنما أتى بضمير الفصل؛ ليصحَّ العطف، وهذا على مذهب البصريين.
و (الإِدَاوَةَ) -بكسر الهمزة- قلت: إناء من جلد كالسطيحة. انتهى.
قال ابن بطَّال: فيه الاستنجاء بالماء. قال العَيني: هذا ليس بصريح؛ لأنَّ قوله:(فَإذَا فَرِغَ مِنْ حَاجَتِهِ) يشمل الاستنجاء بالحجر ونحوه، وتكون مناولته الماء لأجل الوضوء. انتهى. قلت: وَقَعَ التصريح بذلك في حديث أَنَس، في باب جمع العَنَزَة مع الماء، وهو قوله:(يَستَنجِي بالمَاءِ) فابن بطَّال أشار إلى ذلك. انتهى.
وقال ابن بطَّال: فيه خدمة السُّلطان والعالم. قال العَيني: حصره للاثنين لا وجه له، والأحسن أن يقال: فيه خدمة الكبير. انتهى. قلت: راعى ابن بطَّال أولًا غيرَ اللَّفظ الوارد هنا فاعتُرض عليه، وراعى ثانيًا اللَّفظ الوارد هنا فاعترض عليه، وهو في الحالين مصيب. انتهى.
(٩٤)(بَابُ السُّترَةِ بِمَكَّةَ وَغَيرِهَا) أي هذا باب في بيان استحباب السترة لدرء المارّ، سواء كان بمكَّة أو غير مكَّة، وإنما قُيِّد بمكَّة دَفعًا لتوهُّم من توهَّم أنَّ السترة قِبلة، ولا ينبغي أن يكون لمكَّة قِبلة إلَّا الكعبة، فلا يُحتاج فيها إلى سترة، وكل من يصلِّي في مكان واسع فالمستحبُّ له أن يصلِّي إلى سترة، بمكَّة كان أو غيرها، إلَّا أن يصلِّي بمسجد مكَّة بقرب القبلة حيث لا يمكن لأحد المرور بينه وبينها فلا يحتاج إلى سترة؛ إذ قبلة مكَّة سترة له، فإن صلَّى في مؤخَّر المسجد بحيث يمكن المرور بين يديه، أو في سائر بقاع مكَّة إلى غير جدار أو شجرة أو ما أشبههما، فينبغي أن يجعل أمامه سترة من المرور بين يديه كما فعل الشَّارع حين صلَّى بالبطحاء إلى عَنَزَة، والبطحاء خارج مكَّة.
قال شيخنا: والذي أظنُّه أنَّ البخاري أراد أن يُنَكِّت على ما ترجم عليه عبد الرزَّاق؛ فإنَّه قال: بابٌ لا يقطع الصَّلاة بمكَّة شيء، ثمَّ أخرج عن ابن جُرَيج عن كثير بن كثير بن المطَّلب عن أبيه عن جدِّه، قال:((رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي في المَسْجِدِ الحَرَامِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ -أي الناس- سُتْرَةٌ)) وأخرجه من هذا الوجه أيضًا أصحاب السُّنن، ورجاله موثَّقون، إلَّا أنَّه معلول، فقد رواه أبو دواد عن أحمد عن ابن عُيَيْنَة، قال: كان ابن جُرَيج أخبرنا به هكذا، فلقيت كثيرًا فقال: ليس من أبي سمعته، ولا من بعض أهلي عن جدِّي. فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث، وأن لا فرق بين مكَّة وغيرها في مشروعيِّة السترة، واستُدِلَّ