للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال شيخنا: وأما من قال: لا يُكره التطويل إذا علمَ رضى المأمومين فيُشكِل عليه أنَّ الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتُّم به بعَد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يُكره التطويلُ مطلقاً إلا إذا فُرِض في مصلىً بقومٍ (١) محصورين راضين في مكانٍ لا يدخلُهُ غيرُهم.

وفيه: أنَّ الحاجة من أمور الدنيا عُذرٌ في تخفيف الصلاة.

قال شيخنا: وفيه جوازُ إعادة الصلاة الواحدة في اليوم مرتين. قال العيني: ليس هذا بمطلق، لأن إعادته على سبيل أنهما فرضٌ ممنوعةٌ بالنص كما ذكرنا عن قريب. انتهى. قلتُ: قد تقدم البحث معه في ذلك أيضًا. انتهى.

وفيه: جواز خروج المأموم من الصلاة بعذر، وأما بغير عذرٍ فاستدل به بعضُهم - أي الحديثِ المذكور - وتُعُقِّب، وقال ابن المنير: لو كان كذلك لم يكن لأمرِ الأئمة بالتخفيف فائدة. قال شيخنا: وفيه نظر، لأنَّ فائدة الأمر بالتخفيف المحافظةُ على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جوازَ الصلاة منفردًا، وهذا كما استدل بعضُهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحوُ هذا النظر. انتهى.

قال العيني: في «شرح المهذب» : اختلف العلماء فيمن دخل مع إمامٍ في صلاة فصلى بعضها، هل يجوز له أن يخرج منها؟ فاستدل أصحابنا بهذا الحديث على أن للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردًا، وإن لم يخرج منها. وفي هذه المسألة ثلاثةُ أوجه: أصحُّها: أنه يجوز لعذرٍ ولغير عذر، والثاني: لا يجوز مطلقًا. والثالث: يجوز لعذر ولا يجوز لغيره، وتطويل القراءة عذرٌ على الأصح. وأصحابنا الحنفيةُ لا يجيزون شيئًا من ذلك، وهو مشهور مذهب مالك، وعن أحمد روايتان لأنَّ فيه إبطالَ العمل، والقرآنُ قد منع عن ذلك. انتهى

وقد اختُلِف في عذر الرجل المذكور في الحديث: هل هو لأجل التطويل فقط؟ أو لكونه جاء من العمل وهو تعبان؟ أو لكونه أراد أن يسقيَ نخلَه إذ ذاك؟ أو لكونه خاف على الماء في النخل؟ وقد تقدم في الأحاديث المذكورة في الباب ما يدل على شيء من ذلك.

وفيه: جوازُ صلاةِ المنفرد في المسجد الذي يصلَّى فيه بالجماعة. قال شيخنا: إذا كان بعذرٍ. وقال العيني: يجوز مطلقًا. انتهى. قلتُ: كلامُ شيخِنا على ما يستفاد من الحديث لا في الجواز وعدمِه مطلقاً حتى يُعقِبَه العيني بهذا. انتهى.

وفيه: الإنكار بلطفٍ، لوقوعه بصورة الاستفهام. ويؤخَذ منه تعزيرُ كلِّ أَحَدٍ بحسبه. والاكتفاُء في التعزير بالقول. والإنكارُ في المكروهات. وأما تكراره ثلاثًا فللتأكيد (٢)، وقد تقدم في العِلم أنه صلى الله عليه وسلم: كان يعيد الكلمةَ ثلاثًا لتُفهَم عنه.

وفيه: اعتذارُ من وقع منه خطأٌ في الظاهر، وجوازُ الوقوعِ في حقِّ من وَقَع في محذورٍ ظاهر إذا كان له عذرٌ باطن للتنفيرِ عن فعل ذلك، وأنه لا لوْمَ على من فَعَلَ ذلك مُتَأَوِّلًا. وأنَّ التخلُّف عن الجماعة من فعل المنافقين.

قلتُ: وفيه أن المأموم إذا رأى ممن هو مؤتمٌّ بإمامته ما يُخالِف الاقتداءَ يذكُرُه لإمامه وللإمام رَفْعُ ذلك الأمر إلى الحاكم إذا ظَنَّ أن فيه محذورًا، وأن للرجل أن يُبْلِغَ أخاه ما يقال فيه.

(٦١) (بَابُ تَخْفِيفِ الإِمَامِ فِي القِيَامِ، وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)

أي هذا باب في بيان حكم تخفيف الإمام في


(١) طمس في (الأصل) ولعل الكلمة: ((بقوم)).
(٢) في (الأصل) : ((فللمالكية)) والصواب ((فللتأكيد)).

<<  <   >  >>