علم أنَّ عُمَر يقتل ولكنَّه كره أن يخاطب عُمَر بالقتل؛ فإن عُمَر كان يعلم إنَّه هو الباب، فأتى بعبارة يحصل منها الغرض ولا تكون إخبارًا صريحًا بقتله، قال: والحاصل: أنَّ الحائل بين الفتنة والإسلام عُمَر رضي الله عنه وهو الباب، فما دام حيًا لا تدخل الفتن فيه، فإذا مات دخلت، وكذا كان قوله: (فَهِبْنَا) أي خفنا، مِن هاب، وهو مقول شَقيق أيضًا.
قوله: (مَسْرُوقًا) هو مَسْروق بن الأجدع، وقد تقدَّم ذكره، قلت: ترجمته في باب علامات المنافق. انتهى.
فقوله: (فَقَالَ: البَابُ عُمَرُ) أي قال مَسْروق: الباب هو عمر، فإن قلت: قال أوَّلًا: (إِنَّ بَينَكَ وَبيَنَها بَابًا) فالباب يكون بين عُمَر وبين الفتنة، وهنا يقول: (البَابُ عُمَرُ) وبين الكلامين مغايرة. قال العَيني: لا تغاير بينهما؛ لأن المراد بقوله: (بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا) أي بين زمانك وبين زمان الفتنة وجود حياتك. وقال الكِرْماني: أو المراد بين نفسك وبين الفتنة بدنُك؛ إذ الرُّوح غير البدن، أو بين الإسلام والفتنة.
وقال أيضًا: فإن قلت: من أين علم حُذَيفة أنَّ الباب عُمَر، وهل علم من هذا السِّياق إنَّه مسند إلى رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، بل كلُّ ما ذكر في هذا الموضع لم يسند منه شيء إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم؟
قلت: الكلُّ ظاهر مسند إليه عليه السَّلام بقرينة السُّؤال والجواب، ولأنَّه قال: (حدَّثته بحديث)، ولفظ الحديث المطلق لا يستعمل إلَّا في حديثه عليه الصَّلاة والسلام.
فإن قلت: كيف سأل عُمَر رضي الله عنه عن الفتنة الَّتي تأتي بعده خوفًا أن يدركها مع علمه بأنَّه هو الباب؟ قال العَيني: من شدَّة خوفه خشي أن يكون نسي فسأل مَنْ يذكره.
٥٢٦ - قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا يَزيْدُ بنُ زُرَيْعٍ) أي من الزيادة، وزُرَيع -بضمِّ الزاي وفتح الرَّاء وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره عين مهملة-.
قوله: (عَنْ سُلَيمان التَّيْمِيِّ) أي ابن طَرْخان أبو المُعتَمِر، وقد مرَّ في باب من خصَّ بالعلم.
قوله: (عَنْ أَبِي عُثْمان النَّهْدِيِّ) أي عبد الرحمن بن مِلَّ بكسر الميم وضمِّها وتشديد اللام، النَّهْدي بفتح النُّون وسكون الهاء وكسر الدَّال المهملة نسبةً إلى نهد بن زيد بن ليث بن أسلم -بضمِّ اللَّام- ابن الحاف بن قُضاعة، أسلم على عهد رسول صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم ولم يلقَه، ولكنَّه أدَّى إليه الصَّدقات، عاش نحوًا من مائة وثلاثين سنة، ومات سنة خمس وتسعين، وإنَّه كان يصلِّي حتَّى يُغشى عليه.
فإن قلت: ورد النَّهي عن ذلك بقوله: (اكلَفُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقونَ) فما هذا؟ قلت: الجواب إنَّه كان مطيقًا، وإنَّما هذا حال يطرقه فيُغشى عليه، فليس من باب ما لا يطاق من العمل. انتهى.
قوله: (عَنِ ابنِ مَسْعُوْدٍ) أي عبد الله رضي الله عنه.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، وفيه العنعنة في ثلاث مواضع، وفيه رواية التَّابعي عن التَّابعي عن الصَّحابي، وفيه أنَّ رواته بصريُّون ما خلا قَتَيْبَة.
قوله: (أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنِ امرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فَأَخْبَرَهُ، فَأَنزَلَ اللهُ تَعالى: {أَقِمِ الصَّلاة طَرَفَيِ النَّهار وَزُلَفًا مِنَ اللَّيل إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات} [هود: ١١٤]،