للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليس كغيره في أمر الصلاة ولا غيرِها، لأن له أن يتقدم بسبب ما ينزل عليه من الأحكام. وأطال في تقرير ذلك، وتُعُقِّبَ بأن هذا ليس من الخصائص، وقد أشار هو إلى المعتمد في ذلك فقال: ليس في ذلك شيء من الأذى والجفاء الذي يقع في التخطي، وليس كمن شق الصفوفَ والناسُ جلوسٌ لما فيه من تخطي رقابهم. انتهى.

وفيه: الحمد والشكر على الوجاهة في الدِّين، وأن من أُكرِم بكرامةُ يتخَيَّر بين الَقبول والترك إذا فَهم أن ذلك الأمر على غير جهة اللزوم، وكأنَّ القرينة التي بيَّنَت لأبي بكرٍ ذلك هي كونه صلى الله عليه وسلم شقَّ الصفوف إلى أن انتهى إليه فكأنه فهم من ذلك أن مراده أنَّ يؤمَّ الناسَ وأنَّ أمره إياه بالاستمرار في الإمامة من باب الإكرام له والتنويهِ بقدْره فسلك هو طريقَ الأدب والتواضع ورجَّح ذلك عنده احتمالُ نزول الوحي في حالة الصلاة لتغيير حكمٍ من أحكامها، وكان لأجل هذا لم يَتَعَقَّبْ عليه السلام اعتذارَه بِرَدٍّ عليه.

وفيه: جوازُ إمامة المفضولِ للفاضلِ. وفيه: سؤال الرئيس عن سببِ مخالفة أمرِه قبل الزجر عن ذلك. وفيه: إكرامُ (١) الكبير بمخاطبته بالكنية، و [اعتماد] (٢) ذكر الرجل لنفسه بما يُشعر بالتواضع من جهة استعمال أبي بكر خطاب الغيبة مكان الحضور إذْ كان حَدُّ الكلام أن يقول أبو بكر: ما كان لي. فعَدَل عنه إلى قوله: ما كان لابن أبي قحافة، لأنه أَدَلُّ على التواضع من الأول.

وفيه: جواز العمل القليل في الصلاة، لتأخُّرِ أبي بكر عن مَقامه إلى الصف الذي يليه، وأَنَّ مَن احتاج إلى مثل ذلك يرجِع القَهقَرى ولا يستدبر (٣) القبلة ولا ينحرف عنها، واستنبط ابن عبد البر منه جواز الفتح على الإمام لأن التسبيح إذا جاز جازت التلاوة من باب الأولى.

وفيه: أن المصلي إذا نابه شيء فليسبح، أي فليقل: سبحان الله. وعن مالك: المرأةُ تُسَبِّح كالرجل، لأن كلمة (مَنْ) في الحديث تقع على الذكور والإناث. قال: والتصفيقُ منسوخٌ بقوله: (مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيُسَبِّحْ)، وأنكره بعضهم وقال: أنه لا يُختَلَف أن أول الحديث لا يَنسخ آخره، ومذهب الشافعي والأوزاعي تخصيصُ النساء بالتصفيق، وهو ظاهرُ الحديث، وفي «سنن أبي داود» : ((إذا نابَكُم شيءٌ في صلاة فلْيسبِّح الرجالُ ولْيصفح النساء)).

(٤٩) (بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)

أي هذا باب ترجمته: إذا استووا... إلى آخره، يعني إذا استوت الحاضرون للصلاة في القراءة فليؤمهم من كان أكبر السن منهم.

قال شيخنا: هذه الترجمة مع ما سأبيِّنُه من زيادةٍ في بعض طرق حديث الباب منتَزعة من حديثٍ أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً: ((يؤم القومَ أقرؤُهم لكتاب الله فإن كانت قراءَتُهم سواء فلْيؤمَّهم أقدمُهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فلْيؤمَّهم أكبرهم سنَّاً...)) الحديثُ ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضَمْعَجٍ عنه وليسا جميعاً مِن


(١) في (الأصل) : ((إلزام))، والصواب: ((إكرام)).
(٢) كلمة غير واضحة في (الأصل) : ((اعتماد)).
(٣) في (الأصل) : ((يستدير))، والصواب: ((يستدبر)).

<<  <   >  >>