سألها: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا إلا أن يجيء من مغيبه... الحديث. وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي مطولاً ومختصراً، والجمع بين حديث عائشة في نفي صلاته عليه السلام الضحى وإثباتها هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بعض الأوقات لفضلها ويتركها في بعضها خشية أن تفرض. وتأويل قولها: لا إلا أن يجيء من مغيبه، ما رأيتَه، كما قالت في الرواية الأخرى: ما رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى. وسببه أنه عليه السلام ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادرٍ من الأوقات، وقد يكون في ذلك مسافراً، وقد يكون حاضراً ولكنه في المسجد أو في موضع آخر، فإذا كان عند نسائه فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها: ما رأيته يصليها، كما في رواية مسلم، وكذا يصح قولها: لا. كما في رواية أبي داود، أو يكون معنى قولها لا: ما رأيتُه يصليها ويداومُ عليها، فيكون نفياً للمداومة لا لأصلها. فافهم.
فإن قلتَ: صح عن ابن عمر أنه قال في الضحى: هي بدعة. قال العيني: هو محمول على أن صلاتها في المسجد والتظاهرَ بها كما كانوا يفعلونه بدعة، لا أن أصلها في البيوت ونحوها مذموم، أو يقال: قوله: بدعة أي: المواظبة عليها، لأنه عليه السلام لم يواظب عليها خشية أن تفرض. وقد يقال: إن ابن عمر لم يبلغه فعل النبي صلى الله عليه وسلم الضحى وأمره بها، وكيف ما كان، فجمهور العلماء على استحباب الضحى، وإنما فعل التوقيف فيها عن ابن مسعود وابن عمر. وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن توبة العنبري عن مورِّق العجلي، قال: قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا. قلت: صلاها عمر؟ قال: لا. قلت: صلاها أبو بكر؟ قال: لا. قلت: صلاها النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أخال. حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة، قال: لم يخبرني أحد من الناس أنه رأى ابن مسعود يصلي الضحى.
وفيه: جواز ترك الجماعة لأجل السِّمَن، وزعم ابن حبان في «صحيحه» : أنه تتبع الأعذار المانعة من إثبات الجماعة من السنن فوجدها عشراً: المرضُ المانع من الإتيان إليها، وحضورُ الطعام عند المغرب، والنسيانُ العارض في بعض الأحوال، والسِّمَنُ المفرط، ووجودُ المرء حاجتَه في نفسه، وخوفُ الإنسان على نفسه وماله في طريقه إلى المسجد، والبرد الشديد، والمطر المؤذي، ووجود الظلمة التي يخاف المرء على نفسه المشي فيها، وأكل الثوم والبصل والكراث.
أي هذا باب ترجم فيه إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة، وجواب إذا محذوفٌ تقديره: يقدَّم الطعامُ على الصلاة، وإنما لم يذكر الجواب تنبيهاً على أن الحكم بالنفي أو بالإثبات غير مجزوم به لقوة الخلاف فيه.