بعد ذلك إلى آخر النَّهار، ولا مانع أيضًا من أن تصعد ملائكة النَّهار وبعضُ النَّهار باقٍ ويقيم ملائكة اللَّيل، ولا يردُّ على ذلك وصفهم بالمبيت بقوله:(بَاتُوا فِيْكُمْ) لأنَّ اسم المبيت صادق عليهم ولو تقدَّمت إقامتَهم باللَّيل إقامتُهم قطعةً من النَّهار، ويحتمل أن يكون أنَّهم لا يصعدون حتَّى يفرغ الوقت؛ ليعلموا من صلَّى ومن لم يصلِّ، وهو ظاهر. انتهى.
قال العَيني: هذا القائل ذكر في هذا الموضع ناقلًا عن البعض أنَّ ملائكة اللَّيل إذا صلَّوا الفجر عرجوا في الحال، وملائكة النَّهار إذا صلَّوا العصر لبثوا إلى آخر النَّهار لضبط بقيَّة عمل النَّهار، ثمَّ قال: وهذا ضعيف؛ لأنَّه يقتضي أنَّ ملائكة النَّهار لا يُسألون، وهو خلاف ظاهر الحديث، فالعجب منه إنَّه ناقَضَ كلامَه الذي ذكره في التَّعَقُّب على ما لا يخفى، وبمثل هذا التَّصرُّف لا يتوجَّه الردُّ على المستدلِّين بقوله:(ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ) على استحباب تأخير صلاة العصر. انتهى.
قلت: لم يناقض شيخُنا كلامَه؛ لأنَّه ناقل في الموضعين، واعترض على أحد القولين وردَّ العَيني اعتراضَه، فقد قوَّى قول المُتَعَقِّب هنا، والله أعلم. انتهى.
قال شيخنا: وسيأتي الكلام على فوائد الحديث في باب قوله: (ثُمَّ يَعْرُجُ) في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى. انتهى.
(١٧)(بَابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوْبِ) أي هذا باب في بيان حكم من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشَّمس، قيل: جواب (مَنْ) الَّتي تضمَّن معنى الشرط محذوف، قال العَيني: لا نسلِّم أنَّ (مَنْ) هذه شرطيَّة، ولكنَّها موصولة، يوضح ذلك ما قدَّرناه. انتهى. قلت: للعَيني في هذا التقدير غرضٌ، وسيتَّضح ذلك فيما في الحديث من الأحكام. انتهى.
وقال شيخنا: أورد فيه حديث أبي سلمة عن أبي هريرة: ((إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمس فَلْيُتِمَّ صَلَاتُهُ))، فكأنه أراد تفسير الحديث، وأن المراد بقوله فيه:(سَجْدَةً) أي ركعة، وقد رواه الإسماعيلي من طريق حُسَين بن محمَّد بن شَيْبان بلفظ:((مَنْ أدركَ مِنْكُم ركعةً)) فدلَّ على أنَّ الاختلاف في اللَّفظ وَقَعَ من الرواة، وستأتي رواية مالك في أبواب وقت الصُّبح بلفظ:((مَنْ أَدْرَك َرَكْعَةً)) ولم يختلف على راويها في ذلك، فكان عليها الاعتماد. وقال الخطَّابيُّ: المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها، والركعة إنَّما يكون تمامها بسجودها، فسمِّيت على هذا المعنى سجدة. انتهى كلام الخطابي.
وقد روى البَيْهَقي هذا الحديث من طريق محمَّد بن الحسين بن الحنفي عن الفَضْل بن دُكَين، وهو أبو نُعَيم شيخ البخاري فيه، بلفظ:((إذا أدركَ أحدُكم أوَّلَ سجدةٍ منْ صلاةِ العصرِ)) وإنَّما لم يأتِ المُصَنِّف في الترجمة بجواب الشرط؛ لما في لفظ المتن الذي أورده من الاحتمال، وهو قوله:(فليُتِمَّ صَلَاتُهُ) لأن الأمر بالإتمام أعمُّ من أن يكون ما يتمُّه أداءً أو قضاءً، فحذف جواب الشرط لذلك، ويحتمل أن تكون (مَنْ) في الترجمة موصولة، وفي الكلام حذف تقديره: باب حكم من أدرك إلى آخره، لكن سيأتي من حديث مالك بلفظ:((قَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ)) وهو يقتضي أن تكون أداءً، وستأتي مباحثه هناك إن شاء الله تعالى. انتهى.
قال العَيني: لا بدَّ للشرط من جواب، سواء كان ملفوظًا أو مقدَّرًا، والجواب