نصف النَّهار، وعن ابن مسعود قال: كنا نُنهى عن ذلك، وعن أبي سعيد المَقْبُرِيّ قال: أدركت النَّاس وهم يتَّقون ذلك، وهو مذهب الأئمَّة الثلاثة والجمهور، وخالف مالك فقال: ما أدركت أهل الفضل إلَّا وهم يجتهدون ويصلُّون نصف النَّهار، قال ابن عبد البرِّ: وقد روى مالك حديث الصُّنابِحي، فإما إنَّه لم يصحَّ عنده، وإمَّا أنَّه ردَّه بالعمل الذي ذكره. انتهى. وقد استثنى الشَّافعي رضي الله عنه ومن وافقه كأبي يوسف من ذلك يوم الجمعة، أي خاصَّة، لأنَّ جهنَّم لا تسجر فيه، وفيه حديث لأبي داود أن جهنَّم تسجر فيه إلَّا يوم الجمعة، وفيه انقطاع واستثنى مكحول المسافر، قال شيخنا: وحجَّة الشَّافعي ومن وافقه أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ندب النَّاس إلى التبكير يوم الجمعة ورغَّب في الصَّلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه، وجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلَّا بعد الزوال، فدلَّ على عدم الكراهة، وجاء فيه حديث عن أبي قَتَادَة مرفوعًا أنَّه عليه السَّلام كره الصَّلاة نصف النَّهار إلَّا يوم الجمعة، في إسناده انقطاع، وقد ذكر له البَيْهَقي شواهد ضعيفة، إذا ضُمَتْ قَوِيَ الخَبَرُ، والله أعلم. انتهى.
قال العَيني: وكانت الصحابة يتنفلون يوم الجمعة في المسجد حتَّى يخرج عُمَر رضي الله عنه، وكان لا يخرج حتَّى تزول الشمس، وروى ابن أبي شَيْبَة عن مَسْروق إنَّه كان يصلِّي نصف النَّهار، فقيل له: إن الصَّلاة في هذه السَّاعة تُكره، فقال: ولمَ؟ قال: قالوا: إنَّ أبواب جهنَّم تُفتح نصف النَّهار، فقال: الصَّلاة أحقُّ ما أستعيذ به من جهنَّم حين تفتح أبوابها. انتهى.
قال شيخنا: فرَّق بعضهم بين حكمة النَّهي عن الصَّلاة بعد الصُّبح والعصر، وعن الصَّلاة عند طلوع الشَّمس وعند غروبها فقال: يكره في الحالتين الأوليتين، ويحرم في الحالتين الأخيرتين، وممن قال بذلك: محمَّد بن سيرين ومحمَّد بن حريث الطبري، واحتجَّ بما ثبت عنه صلَّى الله عليه وسلَّم إنَّه صلَّى بعد العصر، فدلَّ على أنَّه لا يحرم، وكأنَّه حمل فعله على بيان الجواز، وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده، وروي عن ابن عُمَر تحريم الصَّلاة بعد الصبح، حتَّى تطلع الشَّمس، وأباحها بعد العصر حتَّى تصفرَّ، وبه قال ابن حزم واحتجَّ بحديث علي إنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن الصَّلاة بعد العصر إلَّا والشَّمس مرتفعة، رواه أبو داود بإسناد صحيح قوي، والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع، فقيل: هي كراهة تحريم، وقيل: كراهة تنزيه، وقوله:(رواه عُمَر) ... إلى آخره، يريد أنَّ أحاديث هؤلاء الأربعة وهي الَّتي قُدِّمَ إيرادها في البابين السابقين، ليس فيها تعرُّض للاستواء، لكن لمن قال به أن يقول إنَّه زيادة من حافظ ثقة، فيجب قبولها. انتهى.
٥٨٩ - قوله:(حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ) أي محمَّد بن الفضل السَّدُوسي، ترجمته في باب قول النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم