الظاهر أنه مثلُ الوعيدِ المذكور في قوله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا} [النساء: ٤٧]. قال شيخنا: وحديث أبي أُمامة في إسناده ضعف. انتهى.
ومنهم مَن حمله على المجازِ قال النووي: معناه يُوقِع بينكم العداوة والبغضاء واختلافَ القلوب، كما تقول: تغيَّر وجهُ فلان عَلَيَّ أي ظهر لي من وجهِه كراهِيَةٌ، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفةٌ في ظواهرهم واختلافُ الظواهر سببٌ لاختلاف البواطن، ويؤيده رواية أبي داود وغيرِه بلفظ: ((أوْ ليخالِفَنَّ الله بين قلوبكم)) كما سيأتي قريباً. وقال القرطبي: معناه يفترقون فيأخذ كل واحدٍ وجهاً غيرَ الذي أخذ صاحبُه، لأن تقدم الشخص على غيرِه مظِنَّةُ الكِبْرِ المفسِدِ للقلب الداعي إلى القطيعة، والحاصل أن المراد بالوجه إن حُمِل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفةِ أو جَعْلِ القُّدَامِ وراءً، وإن حُمِل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد. أشار إلى ذلك الكِرماني، ويُحتمل أن يراد بالمخالفة: في الجزاء فيجازي الْمُسَوِّي بخيرٍ ومَن لا يسوي بِشَرٍّ.
فإن قلتَ: إذا كان الصفُّ ثلاثةَ نفرٍ فتقدَّم واحدٌ على الأوسطِ وتأخَّر واحدٌ عنه، فإنْ سوَّى مع المتقدِّمِ فقد فرَّطَ في التسوية مع المتأخِّر وبالعكس، فكيف يفعلُ؟ قلتُ: يسوِّي مع الذي بينه وبين الإمامِ بالقدْر المطلوب في الشرع إلا أن يكون هناك صفٌّ بينهم وبين الإمام أكثر من القدْر المطلوبِ شرعاً أو أقل وثَمَّ واحدٌ بينه وبينه القدْر المطلوب فيُسوي مع الصفِّ. انتهى.
٧١٨ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) أي بفتح الميمين، هو عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد، ترجمته في باب قول النبي اللهم علمه الكتاب في كتاب العلم.
(قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) أي ابن سعيد البصري، ترجمته في الباب أيضاً.
قوله: (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) ترجمته في باب حب الرسول من الإيمان.
قوله: (عَنْ أَنَسٍ) أي ابْنِ مَالِكٍ، ترجمته في باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في موضعين. وفيه: القول في موضع.
قوله: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي))).
مطابقته للترجمة من حيث إن الأمرَ بإقامة الصفوف هو الأمر بالتسوية.
وهذا الحديث أخرجه مسلم عن شيبان عن عبد الوارث، وعند النسائي: كان يقول: ((استووا استووا، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من خلفي كما أراكم بين يدَيَّ)).
قوله: (أَقِيمُوا الصُّفُوفَ) أي عدِّلوا، يقال: أقام العودَ أي عدَّله وسوَّاه.
قوله: (فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي) الفاء فيه للسببية، وأشارتُه - عليه السلام - إلى أن سببَ الأمرِ بذلك إنما هو تحقُّقِي منكم خلافَه، ولا يخفى ذلك علَيَّ لأَنِّي أرى مِن خلف ظهري، كما أرى مِن بين يدي. ثم إن هذا يجوز أن يكون إدراكاً خاصَّاً بالنبي صلى الله عليه وسلم مُحَقَّقاً انخَرقتْ له العادة، وخُلِقَ له عينٌ وراءه فيرى بها، كما ذكر مختار بن محمد في رسالته «الناصرية» : أنه - عليه السلام - كان بين كَتِفَيْه عينانِ مثلَ سَمِّ الخِيَاط، فكان يُبصِر بهما، ولا يحِجبُهُما الثياب. وفي حديث: كان - عليه السلام -