قوله:(قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ) أي بفتح الباء الموحدة وكسر الشين المعجمة، مَرَّ في كتاب الإيمان في باب من استبرأ.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في ثلاث مواضع. وفيه: السماع في موضعين. وفيه: القول في خمس مواضع. وفيه: أن شيخه مذكورٌ بكنيتِه واسمِه صريحاً. وفيه: أن رواته ما بين بصري وكوفي.
مطابقته للترجمة في لفظ التسوية ظاهرة وليس فيه ما يطابقُ قولَه:(عِنْدَ الإِقَامَةِ وَبَعْدَهَا)، ولكنه أشار بذلك إلى ما في بعض طرق الحديث، وقد روى مسلم من حديث النعمان: قالَ ذلكَ عندما كاد أن يكبر. وفي حديث أنس في الباب الذي بعد هذا: أقيمت الصلاةُ فأقبل علينا فقال...
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضاً في الصلاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن مثنى وابن بشار عن غندَر عن شعبة.
قوله:(لَتُسَوُّنَّ) بفتح اللام وضم الواو وتشديد النون، واللام فيه للتأكيد، وقال البيضاوي: هذه اللام هي التي يُتَلقَّى بها القسم، والقسم هنا مُقَدَّر، ولهذا أكده بالنون المشددة، وقد أبرزه أبو داود في «سننه» : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي القاسم الجدلي قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: أقبل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه، فقال:((أقيموا صفوفكم))، ثلاثاً ((والله لَتُقِيمُنَّ صفوفَكم أو لَيُخالِفَنَّ اللهُ بين قلوبكم)). الحديثُ، وأصل (لَتُسَوُّنَّ) : لَتُسَوُّوْن، لأنه من التسوية تقول: تُسوِّي تُسوِّيان تُسوُّوْن، بضم الواو الأولى وسكون الثانية، والنون فيه علامة الجمع، فلما دخلت عليه نون التأكيد الثقيلة حُذِفت نونُ الجمع وإحدى الواوين لالتقاء الساكنين، فالمحذوف هو واوُ الجمع أو واوُ الكلمة؟ فيه خلاف، وقد عُلِمَ في موضعه. وفي رواية المستملي:(لَتُسَوُّوْنَ) فالنون على هذه الرواية نون الجمع. فإن قلتَ: ما معنى التسوية؟ قال العيني: اعتدال القائمين بها على سَمْتٍ واحد، ويراد بها أيضاً سدُّ الخلل الذي في الصف على ما سيأتي.
قوله:(أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ) بفتح اللام الأولى لأنها لام التأكيد، وبكسر اللام الثانية وفتح الفاء، ولفظ:(اللهُ) مرفوع بالفاعلية، وكلمة:(أَوْ) في الأصل موضوعةٌ لأحد الشيئين أو الأشياء، وقد تخرُج إلى معنى بل، وإلى معنى الواو، وهي حرف عطفٍ ذَكَر المتأخِّرون لها معانيَ كثيرة، وههنا لأحد الأمرين، لأن الواقع أحدُ الأمرين: إما إقامةُ الصفوف أو المخالفةُ. والمعنى: لَيُخَالِفنَّ اللهُ إن لم تقيموا الصفوف، لأنه قَابَلَ بين الإقامة وبينَهُ، فيكون الواقع أحد الأمرين، وهذا وعيدٌ لِمَن لم يُقِم الصفَّ من جنس ذنبه لاختلافهم في مقامهم.
واختُلِف في الوعيد المذكور فقيل: هو على حقيقته، والمراد: تسوِيَةُ الوجه بتحويل خَلْقِه عن وضعه بِجَعْلِه موضعَ القفا أو نحوَ ذلك، فهو نظيرُ ما تقدم من الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، وعلى هذا فهو واجبٌ والتفريط فيه حرام، وسيأتي البحث في ذلك في باب إثم مَن لم يُتِمَّ الصفوف قريباً، ويؤيد حملَه على ظاهره حديثُ أبي أُمامة بلفظ:((لَتُسَوُّنَّ الصفوفَ أو لَتُطْمَسَنَّ الوجوهُ)) أخرجه أحمد، ولهذا قال ابن الجوزي: