أَنَس قال: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ يصلِّي بنا العصرَ والشَّمسُ بيضاءٌ محلقةٌ، ثمَّ أرجعُ إلى قومي في ناحيةِ المدينةِ فأقولُ لهم: قومُوا فصلُّوا؛ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قَدْ صلَّى)) قال الطَّحاوي: نحن نعلم أنَّ أولئك - يعني قوم أنس- لم يكونوا يصلُّونها إلَّا قبل اصفرار الشَّمس، فدلَّ ذلك على أنَّه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يعجلها. انتهى.
قوله: (العَوَالِي) جمع عالية، وهي القرى الَّتي حول المدينة من جهة البحر، وأما من جهة تهامة فيقال لها: السافلة.
قوله: (وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِيْنَةِ...) إلى آخره، قال الكِرْماني: إما كلام البخاري وإما كلام أنس، قال العَيني: الظَّاهر إنَّه من الزهري. وجزم شيخنا إنَّه مدرج من كلام الزهري، في حديث أَنَس بيَّنه عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزُّهْري في هذا الحديث فقال فيه بعد قوله: (والشَّمْسُ حَيَّةٌ) قال الزُّهْري: والعوالي من المدينة على ميلين أو ثلاثة، ولم يقف الكِرْماني على هذا فقال ذلك على عادته. انتهى.
وروى البَيْهَقي حديث الباب من طريق أبي بكر الصَّغاني عن أبي اليمان شيخ البخاري فيه، وقال في آخره: ((وبُعْدُ العَوَالِي)) -بضمِّ الباء الموحدة وبالدال المهملة- وكذلك أخرجه المُصَنِّف في الاعتصام تعليقًا، ووصله البَيْهَقي من طريق اللَّيث عن يُونُس عن الزُّهْري لكن قال: ((أربعة أميال أو ثلاثة)).
وروى هذا الحديث أبو عَوانة في «صحيحه» وأبو العبَّاس السَّرَّاج جميعًا عن أحمد بن الفَرَج أبي عُتْبَة عن محمَّد بن حِمير عن إبراهيم بن أبي عَبْلة عن الزُّهْري ولفظه: ((والعوالي منَ المدينةِ على ثلاثةِ أميالٍ))، وأخرجه الدَّارَقُطْني عن المُحاملي عن أبي عُتْبَة المذكور بسنده المذكور، فوقع عنده: ((على ستَّة أميالٍ))، ورواه عبد الرزَّاق عن مَعْمَر عن الزُّهْري فقال فيه: ((على مِيلَين أو ثلاثة))، فيحصل من ذلك أنَّ أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين، وأبعدها مسافة ستَّة أميال إن كانت رواية المُحاملي محفوظة، ووَقَعَ في «المدونة» عن مالك: أبعد العوالي مسافة ثلاثة أميال، قال عياض: كأنَّه أراد تعظيم عمارتها، وإلا ما بعدها ثمانية أميال. انتهى. وبذلك جزم ابن عبد البرِّ وغير واحد آخرهم صاحب «النِّهاية»، ويحتمل أنَّه يكون أراد إنَّه أبعد الأمكنة الَّتي يذهب إليها الذاهب في هذه الواقعة.
قال العَيني: عُلِمَ من هذه الاختلافات أنَّ أقرب العوالي من المدينة مسافة ميلين، وأبعدها ثمانية أميال، وأمَّا الثلاثة والأربعة والستَّة باعتبار القرب والبعد من المدينة، وبهذا الوجه يحصل التوفيق بين هذه الرِّوايات.
والميل: ثلث فرسخ، أربعة آلاف ذراع بذراع محمَّد بن فرج الشَّاشي، طولها أربعة وعشرون إصبعًا بعدد حروف (لا إله إلَّا الله محمَّد رسول الله) وعرض الإصبع ستّ حبات شعير ملصقة ظهرًا لبطن وزنة الحبة من الشعير سبعون حبَّة خردل، وفسَّر أبو شجاع الميل بثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة دراهم إلى أربعة آلاف ذراع، وفي «الينابيع» : الميل ثلث الفرسخ، أربعة آلاف خطوة، كلُّ خطوة ذراع ونصف بذراع العامَّة، وهو أربعة وعشرون إصبعًا.
٥٥١ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ) أي التَّنِّيسي، ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا مَالِكٌ) أي ابن أنس، ترجمته في البدء أيضًا.
قوله: (عَنِ ابنِ شِهَابٍ) أي محمَّد بن مسلم،