للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

تقدَّم عن قريب.

قوله: (عَنْ أَنَس بنِ مَالِكٍ) تقدَّم عن قريب أيضًا.

في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول.

قوله: (كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ، ثمَّ يَذهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَنَأْتِيْهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ).

قوله: (كُنَّا نُصَلِّي العَصْرَ) أي مع النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كما يظهر ذلك من الطرق الأخرى، وقد رواه خالد بن مَخْلَد عن مالك كذلك مصرحًا به، أخرجه الدَّارَقُطْني في «غرائبه».

قوله: (ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى) وكأنَّ أنسًا أراد بالذاهب نفسَه كما تُشعر بذلك رواية أبي الأبيض المتقدِّمة، وقال ابن عبد البرِّ: لم يختلف على مالك أنَّه قال في هذا الحديث: (إلى قباء)، ولم يتابعه أحد من أصحاب الزُّهْري، بل كلُّهم يقولون: ((إِلَى العَوَالِي))، وهو الصَّواب عند أهل الحديث، قال: وقول مالك: (إِلَى قُبَاءٍ) وَهْمٌ لا شكَّ فيه، وتعقِّب بأنَّه روي عن ابن أبي ذئب عن الزُّهْري: ((إِلَى قُبَاءٍ)) كما قال مالك، نقله الباجي عن الدَّارَقُطْني، فنسبة الوهم فيه إلى مالك منتفي؛ فإنَّه إن كان وهمًا احتمل أن يكون منه، واحتمل أن يكون من الزُّهْري حين حدَّث به مالكًا، وقد رواه خالد بن مَخْلَد عن مالك فقال فيه: ((إِلَى العَوَالِي)) كما قال الجماعة، فقد اختلف فيه على مالك، وتوبع عن الزُّهْري، بخلاف ما جزم به ابن عبد البرِّ، وأما قوله: الصَّواب عند أهل الحديث: (العَوَالِي) فصحيح من حيث اللفظ، ومع ذلك فالمعنى متفاوت، لكن رواية مالك أخصُّ؛ لأنَّ قباء من العوالي وليس العوالي كلَّ قباء، ولعل مالكًا لما رأى في رواية الزُّهْري إجمالًا حملها على الرواية المفسِّرة، وهي روايته المتقدِّمة عن إِسْحاق حيث قال فيها: ((ثُمَّ يَخْرُجُ الإنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرو بنِ عَوْفٍ)) وقد تقدَّم أنَّهم أهل قباء، فبنى مالك على أنَّ القصَّة واحدة؛ لأنَّهما جميعًا حدَّثاه عن أَنَس والمعنى متقارب.

قال شيخنا: فهذا الجمع أولى من الجزم بأن مالكًا وهم فيه وأمَّا استدلال ابن بطَّال على أنَّ الوهم فيه ممن دون مالك برواية خالد بن مَخْلَد المتقدِّمة الموافقة لرواية الجماعة عن الزُّهْري ففيه نظرٌ لأن مالك أثبته في «الموطأ» باللَّفظ الذي رواه عنه كافة أصحابه، فرواية خالد بن مَخْلَد عنه شاذَّة، فكيف تكون دالة على أنَّ رواية الجماعة وهمٌ؟! بل إن سلَّمنا إنَّها وهمٌ فهو من مالك كما جزم به البخاري والدَّارَقُطْني ومن تبعهما، أو من الزُّهْري حين حدَّث به، والأولى سلوك طريق الجمع الَّتي أوضحناها، والله الموفق. قال ابن رُشْد: قضى البخاري بالصَّواب لمالك بأحسن إشارة وأوجز عبارة؛ لأنَّه قدَّم أولًا المجمل ثمَّ أتبعه بحديث مالك المفسِّر المُعَيِّن.

قوله: (إِلَى قُبَاءٍ) تقدَّم ضبطه في باب ما جاء في القبلة.

قوله: (فَنَأْتِيْهِمْ) أي فيأتي أهل قُباء، وهو على حدِّ قوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَة} [يوسف: ٨٢] والله أعلم.

قوله: (وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) الواو فيه للحال، قال النَّوَوي: في الحديث المبادرة بصلاة العصر في أوَّل وقتها؛ لأنَّه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العصر ميلين أو أكثر والشمس لم تتغير، ففيه دليل للجمهور في أنَّ أوَّل وقت العصر مصير كلِّ شيء مثله خلافًا لأبي حنيفة رحمه الله، وقد مضى ذلك في الباب

<<  <   >  >>