فردَّ الحديث إلى أمِّ سلمة، فذكرت أمُّ سلمة قصَّة الركعتين، حيث شُغل عنهما، فرجع الأمر إلى ما تقدَّم.
٥٩٣ - قوله: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ) أي بالمهملتين، ترجمته في باب خوف المؤمن أن يحبط عمله في كتاب الإيمان.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي ابن الحجَّاج، ترجمته في باب يتلو باب أمور الإيمان.
قوله: (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) أي عمرو، وربَّما يلبس على القارئ تمييز هذا عن أبي إِسْحاق المذكور في السند السابق، فإن هذا أبو إِسْحاق السَّبيعي وذاك أبو إِسْحاق الشَّيباني؛ وترجمته في باب الصَّلاة من الإيمان.
قوله: (قَالَ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ) أي ابن يزيد المذكور في السند السابق.
قوله: (وَمَسْرُوْقًا) أي ابن الأجدع، ترجمته في باب علامات المنافق في كتاب الإيمان، وزيد في ترجمته في باب التيمُّن في الوضوء.
قوله: (شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ العَصْرِ إلَّا صلَّى رَكْعَتَيْنِ)، هذا طريق آخر، وأخرجه أيضًا مسلم في الصَّلاة عن محمَّد بن مثنَّى ومحمَّد بن بشَّار، كلاهما عن غُنْدَر؛ وأبو داود أيضًا عن حَفْص بن عُمَر؛ والنَّسائي أيضًا عن إسماعيل بن مسعود عن خالد بن الحارث أربعتهم عن شُعْبَة به.
قوله: (إلَّا صَلَّى) أي بعد الإتيان، وهو الاستثناء، أي ما كان يأتيني بوجه أو حاله إلَّا بهذا الوجه أو بهذه الحالة.
وقال الكِرْماني: فإن قلت: ما وجه الجمع بين هذه الأحاديث وما تقدَّم أنَّه عليه السَّلام نهى عن الصَّلاة بعد صلاة العصر؟
قلت: أجيب عنه بأنَّ النَّهي كان في صلاة لا سبب لها، وصلاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كانت بسبب قضاء فائتة الظهر، وبأن النَّهي هو فيما يتحرَّى فيها، وفعله كان بدون التحرِّي؛ وبأنَّه كان من خصائصه، وبأنَّ النَّهي كان للكراهة فأراد عليه السَّلام بيان ذلك ودفع وهم التحريم، وبأنَّ العلَّة في النَّهي هو التشبيه بعبدة الشَّمس، والرسول منزَّه عن التشبيه بهم. وبأنَّه عليه السَّلام لما قضى فائتة ذلك اليوم وكأنَّ في فواته نوع تقصير واظب عليها مدَّة عمره جبرًا لما وَقَعَ منه؛ والكلُّ باطل.
أمَّا أوَّلًا: فلأن الفوات كان في يوم واحد، وهو يوم اشتغاله بعبد القيس، وصلاته بعد العصر كانت مستمرَّة دائمًا.
وأمَّا ثانيًا: فلأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يداوم عليها، ويقصد أداءها كلَّ يوم، وهو معنى التحرِّي.
وأمَّا ثالثًا: فلأن الأصل عدم الاختصاص ووجوب متابعته عليه السَّلام لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: ١٥٣].
وأمَّا رابعًا: فإن بيان الجواز يحصل بمرَّة واحدة، ولا يحتاج في دفع وهم الحرمة إلى المداومة عليها.
وأمَّا خامسًا: فلأنَّ العلَّة في كراهة صلاة بعد فرض العصر ليس للتشبُّه بهم، بل هي العلَّة لكراهة الصَّلاة عند الغروب فقط.
وأمَّا سادسًا: فلأنَّا لا نسلِّم أنَّه كان تقصيرًا، لأنَّه كان مشتغلًا في ذلك الوقت بما هو أهم، وهو إرشادهم إلى الحقِّ؛ أو لأنَّ الفوات كان بالنسيان، ثمَّ إنَّ الجبر يحصل بقضائه مرَّة واحدة على ما هو حكم أبواب القضاء في جميع العبادات؛ بل الجواب الصحيح أنَّ النَّهي قول، وصلاته فعل، والقول والفعل إذا تعارضا يقدَّم القول ويعمل به. انتهى.
قال العَيني: قول الكِرْماني والكلُّ باطل لا يمشي في الكلِّ، بل فيه شيءٌ موجَّهٌ،