رضي الله عنه، وعرض ابن عمر: أن النَّاس ما فهموا ما أراد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من هذه المقالة، وحملوها على محامل كلِّها أوهام، وبيَّن في هذا الحديث أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أراد بذلك انخرام القرن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك، وهو الذي كان هو فيه بأن ينقضي أهاليه، ولا يبقى منهم أحد بعد مائة سنة، وليس مراده أن ينقرض العالم بالكليَّة، وكذلك وَقَعَ بالاستقراء، فكان آخر من ضبط عمره ممن كان موجودًا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة، وقد أجمع أهل الحديث على أنَّه كان آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه إنَّه بقي إلى سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة من مقالة النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، وهذا إعلام من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بأن أعمار أمَّته ليست تطول كأعمار من تقدَّم من الأمم السالفة، ليجتهدوا في العمل.
قوله: (يُرِيْدُ) أي يريد النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، (بِذَلِكَ) أي بقوله هذا، (أَنَّهَا) أي مائة سنة يعني مضيها.
قوله: (تَخْرِمُ) من الإخرام بالخاء المعجمة.
قوله: (ذَلِكَ القَرْنَ) أي القرن الذي هو فيه، والقرن -بفتح القاف- كلُّ طبقة مقترنين في وقت، ومنه قيل لأهل كلِّ مدَّة أو طبقة بعث فيها نبي قرن، قلَّتِ السنون أو كثرت.
ومما يستنبط من هذا الحديث والذي قبله، أنَّ السَّمر المنهي عنه بعد العشاء، إنَّما هو فيما لا ينبغي، وكان ابن سيرين والقاسم وأصحابه يتحدَّثون بعد العشاء يعني في الخير، وقال مجاهد: يكره السَّمر بعد العشاء إلَّا لمصلٍّ أو مسافرٍ أو دارس علم.
(٤١) (بَابُ السَّمَرِ مَعَ الأَهْلِ وَالضَّيْفِ) أي هذا باب في بيان السَّمر مع الأهل، وأهل الرجل خاصَّته وعياله وحاشيته، فإن قلت: ما وجه إفراد هذا الباب من الباب السَّابق مع اشتماله عليه ودخوله فيه، قال علي بن المنيِّر: ما محصَّله: اقتطع البخاري هذا الباب من باب السَّمر في الفقه والخير لانحطاط رتبته عن مسمَّى الخير، لأنَّ الخير متمحِّض للطاعة، لا يقع على غيرها، وهذا النوع من السَّمر خارج عن أصل الضيافة والصلة المأمور بهما، فقد يكون مستغنى عنه في حقِّهما، فليلتحق بالسَّمر الجائز والمتردد بين الإباحة والندب.
٦٠٢ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبو النُّعْمَانِ) أي محمَّد بن الفضل السَّدُوسي، ترجمته في باب قول النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الدين النصيحة.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمَانَ) أي التَّيْمي، ترجمته في باب من خص بالعلم قومًا.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي) أي سُلَيمان بن طَرْخان، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا أبُو عُثْمَانَ) أي عبد الرحمن بن ملّ بن عَمْرو النَّهْدي، مات سنة خمس وتسعين، وهو ابن ثلاث ومائة سنة، وكان قد أدرك الجاهلية تقدَّم في باب الصَّلاة كفَّارة.
قوله: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ) أي الصِّدِّيق رضي الله عنهما، ترجمته في باب نوم الرجال في المسجد.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في أربع مواضع، وفيه العنعنة في موضع واحد، وفيه القول في ثلاث مواضع، وفيه راوٍ من المخضرمين، وهو أبو عُثْمان، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي ابن الصحابي، وهو عبد الرحمن.
قوله: (إَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ، كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ