مقامَه))، وفي رواية جابر بن سمرة: ((كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج الإمامُ أقام الصلاة حين يراه))، وبين هذه الروايات معارضة.
يقال: وجهُ الجمع بينها: أنَّ بلالًا كان يراقب خروجَ النبي صلى الله عليه وسلم من حيث لا يراه غيرُه، أو إلا القليلُ، فعند أول خروجه يقيم، ولا يقومُ الناس حتى يروه، ولا يقوم مقامه حتى يعدِّلَ الصف. ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جُريج عن ابن شهاب: ((أنَّ الناس كانوا ساعة يقولُ المؤذن: الله أكبر يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم مقامَه حتى تعتدل الصفوف)).
وقوله في رواية أبي هريرة: ((فيأخذُ الناسُ مصافَّهم قبل خروجه)) لعله كان مرةً أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز أو لعذر، ولعل قوله عليه السلام: (فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي) كان بعد ذلك. قال العلماء: والنهي عن القيام قبل أن يروه لئلَّا يشقَّ عليهم القيام، لأنه قد يعرِضُ له عارضٌ فيتأخرُ بسببه.
قال شيخنا: وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبًا بلفظ: ((أقيمت الصلاة فسوَّى الناسُ صفوفَهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم))، ولفظُه في «مستخرج أبي نعيم» : ((فصفَّ الناسُ صفوفَهم، ثم خرج علينا))، ولفظه عند مسلم: ((أقيمت الصلاة...)). الحديث. وعنه في رواية أبي داود: ((قبل أن يجيء النبيُّ صلى الله عليه وسلم)).
فيُجمع بينه وبين حديث أبي قتادة أنَّ ذلك ربما وقع لبيان الجواز أو بأنَّ صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة، وأنهم كانوا يقومون ساعةَ تقامُ الصلاة ولم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شُغلٌ يُبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره، ولا يَرُدُّ هذا حديثَ أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلًا في حاجة بعض القوم، لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرًا أو فعله لبيان الجواز.
(٢٣) بَابٌ: لَا يقوم إِلَى الصَّلَاةِ مُسْتَعْجِلًا، وَلْيَقُمْ إليها بِالسَّكِينَةِ وَالوَقَارِ
أي هذا باب يذكر فيه: لا يقوم الشخص إلى الصلاة حال كونه مستعجلا، وليقم إلى الصلاة متلبِّسًا بالسكينة، وقد مر معناه والفرقُ بينهما.
وهذه الترجمة رواية الحموي، وفي رواية المستملي: <باب لا يسعى إلى الصلاة... >. وسقط من رواية الكُشْمِيهَني، وجُمِعَا في رواية الباقين بلفظ: <باب لا يسعى إلى الصلاة ولا يقوم إليها مستعجلًا... > إلى آخره.
قال شيخنا: قولُه (لا يسعى) كأنه يشير بذلك إلى رواية ابن سيرين في حديث أبي هريرة عند مسلم، ولفظُه: ((إذا ثُوِّب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم))، وفي رواية أبي سلمة عن أبي هريرة عند المصنف في باب المشي إلى الجمعة من كتاب الجمعة: ((إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون))، وسيأتي وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] هناك إن شاء الله تعالى.
قلتُ: وقد سبق ذلك في كلام العيني في باب لا يسعى إلى الصلاة، قبل الباب السابق. انتهى.
٦٣٨ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) أي الفضل بن دُكين.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) أي بفتْح الشين وسكون الياء آخرِ الحروف.
قوله: (عَنْ يَحْيَى) أي ابنِ