للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مالك. وفي «التلويح» : وكان جماعة من السلف يصلون في بيوتهم في الوقت ثم يَقْتدون معهم، وهو مذهب مالك، وعن بعض السلف: لا يُعيدون. وقال النخَعي: كان عبد الله يصلي معهم إذا أخَّروا عن الوقت قليلاً، وقيل لجعفر بن محمد: كان أبوك يصلي إذا رجع إلى البيت؟ فقال: لا والله ما كان يزيد على صلاة الأئمة. قال ابن المنذر: هذا الحديثُ يَرُدُّ على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسَدت فسَدت صلاةُ من خلفه. انتهى.

قوله (وَإِنْ أَخْطَئُوا) أي ارتكبوا الخطيئة، قال الكِرماني: الخطأ عقابُه مرفوع عن المكلفين، فكيف يكون عليهم؟ وأجاب: بأن الإِخطاء ههنا في مقابلة الإصابة لا في مقابلة العَمد، وهذا الذي في مقابلة العمد هو المرفوعُ لا ذاك، وسَأل أيضاً: ما معنى كونِ غير الصواب لهم إذْ لا خير فيه حتى يكون لهم؟ فأجاب بقوله: معناه صلاتُكُم لكُم وكذا ثوابُ الجماعة لكُم. انتهى.

فيه: ما قاله المهلب: جوازُ الصلاة خلف البَرِّ والفاجر إذا خيف منه، يعني: إذا كان صاحب شوكة.

وقال البغوي في «شرح السنة» : فيه دليل على أنه إذا صلى بقوم محدِثاً أنه تصح صلاة المأمومين وعليه الإعادة. قال العيني: هذا على مذهب الشافعي كما ذكرنا أن المؤتم عندَه تَبَعٌ للإمام في مجرد الموافقة لا في الصحة والفساد، وبه قال مالك وأحمد، وعندنا تَبَعٌ له مطلقاً، يعني في الصحة والفساد، وثمرة الخلاف تظهر في مسائل، منها: أن الإمام إذا ظهر محدثاً أو جُنُباً لا يعيد المؤتمُّ صلاته عندهم. ومنها: أنه يجوز اقتداءُ القائِمِ بالمومِئِ. ومنها: قراءة الإمام لا تنوب عن قراءة المقتدي. ومنها: أنه يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل وبمن صلى فرضاً آخر. ومنها: أن المقتدي يقول: سمع الله لمن حمده. وعندنا الحكم بالعكس في كلِّها، ودليلُنا: ما رواه الحاكم مصححاً عن سهل بن سعد: ((الإمام ضامن))، يعني صلاتُهم في ضمن صلاتِه صحةً وفساداً.

قال شيخنا: واستدل به غيرُ المهلب على أعمَّ من ذلك وهو: صحة الائتمام بمن يُخِل بشيء من الصلاة ركناً كان أو غيره إذا أتم المأموم، وهو وجهٌ عند الشافعية بشرط أن يكون الإمامُ هو الخليفة أو نائبه، والأصح عندهم صحة الاقتداء إلا بمن عُلِم أنه ترك واجباً، ومنهم من استدل به على الجواز مطلقاً بناءً على أن المراد بالخطأ ما يقابل العمد. قال: ومحل الخلاف في الأمور الاجتهادية، كمن يصلي خلف من لا يرى قراءة البسملة ولا أنها من أركان (١) القراءة لأنها آية من الفاتحة بل يرى أن التَّالِي يجزئ بدونها. قال: فإن صلاة المأموم (٢) تَصِحُّ إذا قرأ هو البسملة لأن غاية حكمِ الإمام من هذه المسألة أن يكون أخطأ، وقد دل الحديث على أن خطأ الإمام لا يؤثر (٣) في صحة صلاة المأموم إذا أصاب. انتهى.

(٥٦) (بَابُ إِمَامَةِ المَفْتُونِ وَالمُبْتَدِعِ)

أي هذا بابٌ في بيان حُكم إمامة المفتون، وهو من فُتِن الرجل فهو مفتون إذا ذهب مالُه وعقلُه، والفاتن: المضِلُّ عن الحق، فالمفتونُ المضَلُّ بفتح الضاد، هكذا فسره الكِرماني. وقال شيخنا: أي الذي دخل في الفتنة فخرج على الإمام، ومنهم من فسره بما هو أعمُّ من ذلك. قال العيني: هذا التفسير لا ينطبق إلا على الفاتن، لأن الذي يدخل في الفتنة ويخرج على الإمام هو الفاعل. وكان ينبغي للبخاريِّ أن يقول: باب إمامة الفاتن. انتهى. قلت: هو باعتبار


(١) في (الأصل) بياض بقدر كلمتين بعد: ((ولا أنها من)) ثم كلمة ((كان)) بدل ((أركان)) والتصويب من فتح الباري.
(٢) في (الأصل) : ((الإمام)) والصواب ((المأموم)).
(٣) في (الأصل) : ((يوتر)) والصواب ((يؤثر)).

<<  <   >  >>