يصلون الصلاة فإن أتموا فلكم ولهم))، والأحاديث يفسر بعضُها بعضاً.
هذا الحديث انفرد به البخاري. وأخرجه ابن حبان عن أبي هريرة كما ذكرناه. وأخرجه الدارقطني عن أبي هريرة:((سيليكم بعدي ولاةٌ فاسمعوا وأطيعوا فيما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم فإن أحسنوا فلهم، وإن أساؤا فعليهم)). وفي «سنن أبي داود» بإسنادٍ حسنٍ من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ((يكون عليكم أمراءُ من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلةَ)). ورواه أبو ذر وثوبان مرفوعاً أيضاً، وروى الحاكم مصححاً عن سهل بن سعد:((الإمام ضامنٌ فإن أحسن فله ولهم، وإن أساء فعليه لا عليهم)). وأخرجه على شرط مسلم. وأخرج أيضاً على شرط البخاري عن عقبة بن عامر:((من أم الناس))، وفي نسخة:((فأصاب فالصلاة له ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئا فعليه ولا عليهم)). وأعلَّه الطحاوي بانقطاع ما بين عبد الرحمن بن حرملة وأبي علي الهمداني الراوي عن عقبة، وفي مسند عبد الله بن وهب: عن أبي شريح العدوي: ((الإمام جُنَّة فإن أتم فلكم وله، وإن نقص فعليه النقصان ولكم (١) التمام)).
قوله:(يُصَلُّونَ) أي الأئمة.
قوله:(لَكُمْ) أي لأجلكم، فاللام فيه للتعليل.
قوله:(فَإِنْ أَصَابُوا) يعني فإن أتموا، يدل عليه حديث عقبة بن عامر المذكورُ آنفاً. وقال ابن بطال:(إِنْ أَصَابُوا) يعني الوقتَ، فإنَّ بني أمية كانوا يؤخرون الصلاةَ تأخيراً شديداً، يدل عليه ما رواه أبو داود بسندٍ جيدٍ عن قَبيصة بن وقاص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلةَ))، وما رواه النسائي وابن ماجه عن ابن مسعودٍ قال صلى الله عليه وسلم:((ستدركون أقواماً يصلون الصلاة بغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سُبحَةً)). وقال الكِرماني: فإن أصابوا في الأركان والشروط والسنن فلكم.
قوله:(فَلَكُمْ) أي: ثوابُ صلاتكم. قال العيني:(وَعَلَيْهِمْ) أي عقابُها، لأنَّ على تستعملُ في الشر، واللامُ في الخير. قال شيخنا: زاد أحمد عن الحسن بن موسى بهذا السند: ((ولهم)) أي ثوابُ صلاتهم، وهو يغني عن تكلف توجيه حذفِها، وتمسك ابنُ بطال بظاهر الرواية المحذوفة وغفل عن الزيادة التي في رواية أحمد فإنها تدل على أن المراد صلاتُهم معهم لا عند الانفراد، وفي رواية لأحمد في هذا الحديث:((فإن صلَّوا الصلاة لوقتها وأتموا الركوع والسجود فهي لكم ولهم)). وهذا يبين أن المراد ما هو أعمُّ من ترك إصابة الوقت.
وقال أبو عبد الملك قوله:(فَلَكُمْ) يريد ثواب الطاعةِ والسمعِ، (وَعَلَيْهِمْ) إثمُ ما صنعُوا واخطؤوا، وقيل: إن صليتم أفذاذاً في الوقت فصلاتُكم تامَّةٌ إن أخطؤوا في صلاتهم وائتممتُم أنتم بهم. ورُوي عن ابن عمر أنَّ الحَجَّاج لما أخَّر الصلاة بعرفة صلى ابنُ عمر في رَحله ووَقَفَ، فأمر به الحجاجُ فحُبِسَ، وكان الحَجاج يؤخر الصلاة يوم الجمعة، وكان أبو وائل يأمرنا أن نصليَ في بيوتنا ثم يأتي الحَجَّاجَ فيصلي معه، وفَعله مسروقٌ مع زياد، وكان عطاء وسعيد بن جبير في زمن الوليد إذا أخَّر الصلاة صليَا في محالِّهما ثم صليا معه، وفعله مكحول مع الوليد أيضاً.
قال العيني: وهو مذهب
(١) في (الأصل) : ((وهم))، والصواب: ((ولكم)) كما في الجامع لابن وهب.