للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أول الوقت، واستدل بعض الشافعية والحنابلة بقوله (فَابْدَؤُوا) على تخصيص ذلك بمن لم يشرع في الأكل، فأما من شرع ثم أقيمت الصلاة فلا يتمادى، وقلنا إن صنيع ابن عمر يبطل ذلك، وتُعُقِّبَ بأن صنيع ابن عمر اختيارٌ له وإلا فالنظر إلى المعنى يقتضي ما ذكروه، لأنه يكون قد أخذ من الطعام ما وقع شغلُ البال به، ويؤيد ذلك حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بعدَه، ولعل ذلك هو السرُّ في إيراد المصنف له عَقِبَه. وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسنادٍ حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما: أنهما كانا يأكلان طعاماً وفي التنور شِواءٌ فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس لا تعجل لِئلَاّ نقوم وفي أنفسنا منه شيء. وفي رواية بن أبي شيبة: لئلا يعرِض لنا في صلاتنا. وله عن الحسن بن علي قال: العَشاء قبل الصلاة يُذهِب النفس اللوَّامة. قلتُ: أوصاف النفس ثلاث: الأولى: أمَّارَة، الثاني: لوَّامة، الثالث: مطمئنَّة. فاللَّوَّامة (١).

قال شيخُنا: وفي هذا كله إشارة إلى أن العلة في ذلك تَشَوَّقُ النفس إلى الطعام فينبغي أن يدار الحكم مع علته وجودا وعدما ولا يُقيَّد بكلٍّ ولا بعضٍ، ويستثنى من ذلك الصائم فلا تكره صلاته بحضرة الطعام إذْ الممتنعُ بالشرع لا يشغل العاقلُ نفسَه به، لكن إن غُلِبَ استُحِبَّ له التحول من ذلك المكان، وهذا مثلُ من حضر طعامُ غيرِه وأقيمت الصلاة.

فائدة: وقع في بعض كتب الفقه: ((إذا حضر العِشاء والعَشاء فابدؤوا بالعَشاء))، لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ، كذا في شرح الترمذي لأبي الفضل، قال شيخُنا: لكن رأيتُ بخط الحافظ قطب الدين أنَّ ابن أبي شيبة أخرج عن إسماعيل وهو ابنُ علية عن ابن إسحاق حدثني عبد الله بن رافع عن أم سلمة مرفوعاً: ((إذا حضر العَشاء وحضرت العِشاء فابدؤوا بالعَشاء))، فإن كان ضَبَطَه فذاك وإلا فقد رواه أحمد في «مسنده» عن إسماعيل بلفظ: ((وحضرت الصلاة)) ثم راجعتُ مصنف ابن أبي شيبة فرأيت الحديث فيه كما أخرجه أحمد والله أعلم.

(٤٣) (بَابٌ: إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ)

أي هذا باب ترجمته إذا دُعِيَ الإمام... إلى آخره، والواو في (وَبِيَدِهِ) للحال.

وقوله: (مَا) موصولةٌ، و (يَأْكُلُ) صلتها، والعائد محذوف تقديرُه: ما يأكله، ومحلها مرفوع بالابتداء، وخبره هو قوله: (بِيَدِهِ)، ويجوز أن تكون ما مصدريةً والتقدير: وبيده الأكل، أي: المأكول.

وإنما ذَكَر هذا الباب عقيب الباب السابق تنبيهاً على أن الأمر فيه للندب لا للإيجاب، إذْ لو كان تقديمُ العَشاء على الصلاة التي أقيمت واجباً، لكان النبي صلى الله عليه وسلم كَمَّلَ


(١) كذا في (الأصل)، وبعد قوله: ((فاللَّوَّامة)) فراغ.

<<  <   >  >>