للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال الكِرْماني: أي هذا الكلام الأخير، وهو قوله أنَّه لا يسمع، إلى آخره. قال شيخنا: وقد أورد الرَّافعي هذا الحديث في الشرح بلفظ: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي سعيد: إنك رجل تحبُّ الغنم، وساقه إلى آخره، وسبقه إلى ذلك الغزالي وإمامه والقاضي حسين وابن داود شارح المختصر وغيرهم، وتعقَّبه النَّوَويُّ، وأجاب ابن الرِّفْعَة عنهم بأنَّهم فهموا أن قول أبي سعيد: سمعته من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، عائد على إلى ما ذكر. انتهى. ولا يخفى بُعْدَه، وقد رواه ابن خُزَيمَة من رواية ابن عُيَيْنَة ولفظه: ((قال أبو سعيد: إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالنِّداء، فإنِّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: لَا يَسْمَعُ بذكره) ورواه يحيى القطَّان أيضًا عن مالك بلفظ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إذا أذَّنتَ فَارْفَعْ صَوْتَكَ، فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ بذكره)). فالظَّاهر أنَّ ذكر الغنم والبادية موقوف، والله أعلم. انتهى. قال العَيني: والصَّواب مع النَّوَوي، لما رواه ابن خُزَيمَة ويحيى القطَّان كما ذكرناه. انتهى.

فيه: استحباب رفع الصَّوت بالأذان ليكثر من يشهد له، ما لم يجهده أو يتأذَّى به، ولو أذَّن على مكان مرتفع ليكون أبعد لذهاب الصَّوت، وكان بلال رضي الله عنه يؤذِّن على بيت امرأة من بني النَّجَّار، بيتها أطول بيت حول المسجد، وفيه: أن حبَّ الغنم والبادية لا سيَّما عند نزول الفتن من عمل السلف الصالح، وفيه: جواز التبدِّي ومساكنة الأعراب ومشاركتهم في الأسباب، بشرط حظٍّ من العلم وأمن من غلبة الجفاء، وفيه: أن أذان الفذِّ مندوب إليه ولو كان في قفر، ولو لم يرتج حضور من يصلِّي معه، لأنَّه إن فاته دعاء المصلِّين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم.

وللشافعي في أذان المنفرد، ثلاثة أقوال: أصحُّها نعم، لحديث أبي سعيد هذا، والثاني وهو القديم: لا يُندب، لأنَّ المقصود من الأذان الإبلاغ والإعلام، وهذا لا ينتظم في المنفرد. والثالث: إن رجى حضور جماعة أذَّن لإعلامهم، وإلَّا فلا، وحمل حديث أبي سعيد على أنَّه كان يرجو حضور غلمانه، وفيه: أن الجنَّ يسمعون أصوات بني آدم. وفيه: أنَّ بعض الخلق يشهد لبعض.

قلت: وفيه: أنّ الكافر يشهد للمؤمن يوم القيامة، وفيه: جواز حبِّ المال، وفيه: أنَّ الله تبارك وتعالى يشهد للمؤذِّنين... (١) يوم القيامة، {وَكَفَى بِالله شَهِيْدًا} [الفتح: ٢٨]. انتهى.

(٦) (بَابُ مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ) أي هذا باب في بيان ما يمنع من الدِّماء بسبب الأذان، يقال: حقنت له دمه، إذا منعت من قتله وإراقته، أي جمعته له وحبسته عليه، وأصل الحقن الحبس، ومنه الحاقن لأنَّه يحبس بوله أو غائطه في بطنه، ومنه: حقن اللبن، إذا حبسه في السقاء، والدِّماء جمع: دم.

قال الزَّين بن المنيِّر: قصد البخاري بهذه الترجمة واللتين قبلها، استيفاء ثمرات الأذان، فالأولى: فيها فضل التأذين لقصد الاجتماع للصلاة، والثانية: فيها فضل


(١) في الأصل كلمة غير مقروءة طمست بالحبر.

<<  <   >  >>