للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

غيره، لقوله: ((يمسحُ (١) المقيمُ يوماً وليلةً)). ولئن سلمنا أن صيغة الإخبار محمولة على معنى الأمر، ولكن الأمر يحمل على الاستحباب لوجود الجواز بدون الاقتداء بالإجماع.

فإن قلتَ: لو كان المراد في الحديث من قوله: ((يؤم القومَ أقرؤُهم)) هو الأعلم لكان يلزم تكرار الأعلم في الحديث، ويكون التقدير: يؤم القوم أعلمهم، فإن تساووا فأعلمهم؟ قال العيني: المراد من قوله: كان أقرؤهم أعلَمهم، يعني: أعلمهم بكتاب الله دون السنة. ومن قوله: ((أعلمهم بالسنة)) أعلمهم بأحكام الكتاب والسنة جميعاً. فكان الأعلمُ الثاني غير الأعلمِ الأول.

فإن قلتَ: حديثُ أبي مسعود الذي أخرجه البخاري ومسلم: ((يؤم القوم أقرؤهم...)) الحديث، يعارضه قوله عليه السلام: (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ)، إذْ كان فيهم من هو أقرأ منه للقرآن مثل: أُبَيٍّ وغيرِه وهو أولى. قال العيني: حديثُ أبي مسعود كان في أول الهجرة وحديثُ أبي بكر في آخر الأمر، وقد تفقهوا في القرآن، وكان أبو بكر، رضي الله عنه، أعلمَهم وأفقهَهم في كلِّ أمرِه، قال أصحابنا - أي الحنفية -: فإن تساووا في العلم والقراءة فأولاهُم أورعُهم. وفي «البدرية» : الورعُ الاجتناب عن الشبهات، والتقوَى الاجتنابُ عن المحرمات، فإن تساووا في القراءة والعلم والورع فأَسَنُّهم أولى بالإمامة لقوله عليه السلام: ((وليؤمكما أكبركما))، وفي «المحيط» : الأسنُّ أوْلى من الأورع وإن لم يكن فيه فسق ظاهر. وقال النووي: المراد بالسنِّ سنٌّ مضى في الإسلام، فلا يُقدَّم شيخٌ أسلم قريباً على شابٍّ نشأَ في الإسلام أو أسلم قبلَه. قال الحنفية: فإن تساوَوا في السن فأحسنُهم خُلُقَاً، وزاد بعضهم: فإن تساووا فأحسنُهم وجهاً. وفي «مختصر الجواهر» : يُرجَّح بالفضائل الشرعيةِ والخُلُقيةِ والمكانيةِ وكمالِ الصورة، كالشرف في النسبِ والسنِّ، ويُلحَقُ بذلك حسنُ اللباس. وقيل: وبصباحِيَّة الوجه وحُسْنِ الخَلْقِ وبملكِ رَقَبَةِ المكانِ أو منفعته. قال المرغيناني (٢) : المستأجِر أولى من المالك، وفي «الخلاصة» : فإن تساووا في هذه الخصال يُقرَع، أو الخيار إلى القوم. وقيل: إمامة المقيم أولى من العكس، وقال أبو الفضل الكِرماني: هما سواء، وللشافعي قولان: في القديم يُقدَّمُ الأشرف ثم الأقدم هجرة ثم الأسن، وهو الأصح. والقول الثاني: تقديمُ الأسنِّ ثم الأشرف ثم الأقدم هجرةً، وفي «التتمة» : ثم بعد الكِبَرِ والشرَف تقدم نظافة الثوب، والمراد به النظافة عن الوسخ لا عن النجاسات، لأن الصلاة مع النجاسات لا تصح، ثم بعد ذلك حسن الصوت، لأنَّ به تميل الناس إلى الصلاة خلفه فتكثر الجماعة، ثم حُسْنُ الصُّورة.

٦٧٩ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)،


(١) في (الأصل) : ((مسح)) والصواب ((يمسح)).
(٢) في (الأصل) : ((المرغياني)) والصواب ((المرغيناني)).

<<  <   >  >>