للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

في قوله في حديث معاذ: ((أَفَتَّانٌ أنت؟)). قال شيخنا: ويُحتمل أن تكون قصة أُبَيَّ هذه (١) بعد قصة معاذ بهذا يتوجه الاحتمال الأول لابن دقيق العيد بالخطاب.

قوله: (فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى) أيْ فأيُّ واحد منكم، وكلمة: (مَا) زائدة، وزيادته معَ أي الشرطية كثير، وفائدتها التوكيد وزيادة التعميم. وفي رواية سفيان: (فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ)

قوله: (فَلْيَتَجَوَّزْ) جواب الشرط أي فليخفف. يقال: تجوز في صلاته أي: خفف، وأصل اللام فيه أن تكون مكسورة، وجاز فيها السكون. وقال ابن بطال: لما أمر الشارع بالتخفيف كان المطوِّل عاصياً، ومخالفة العاصي جائزة لأنه لا طاعة إلا في المعروف. وقال ابن دقيق العيد: التخفيفُ من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قومٍ طويلاً بالنسبة لعادة آخرين. قال: وقولُ الفقهاء: لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك، لأنَّ رغبة الصحابة في الخير تقتضي أنْ لا يكونَ ذلك تطويلاً. انتهى. قال شيخنا: التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أنتَ إمامُ قومِك، واقدِر القوم بأضعَفِهِم)) إسنادُه حسن. وأصلُه في مسلم.

قوله: (فَإِنَّ فِيهِمُ) في رواية سفيان: (فَإِنَّ خَلْفَهُ) وهو تعليل الأمر المذكور ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصفٌ بصفةٍ من المذكورات لم يَضُرَّ التطويل، وقد قدمتُ ما يَرُدُّ عليه في الباب الذي قبله مِن إمكان مَجيءِ متصفٍ بأحدها. وقال اليعمري (٢) : الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، فينبغي للأئمة التخفيف مطلقاً. قال: وهذا كما شرع القصر في كتاب (٣) صلاة المسافر وعُلِّلَ بالمشقة وهي مع ذلك تشرع ولو لم يشق عملا بالغالب، لأنه لا يدري ما يطرأ عليه، وهنا كذلك. قال العيني: ويؤيد كلامه صيغة الأمر بالتخفيف، فإنه أَمَر بعدَ الغضب الشديد، وظاهرُه يقتضي الوجوب.

قوله: (فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالكَبِيرَ) كذا للأكثر ووقع في رواية سفيان في كتاب العلم في باب الغضب في الموعظة: (فَإِنَّ فِيهِمُ الْمَرِيضَ وَالضَّعِيفَ) وكأن المراد بالضعيف هنا: المريض، وهناك: من يكون الضَّعْفُ في خِلْقَته كالنحيف والمسن، وكل مريضٍ ضعيفٌ من غير عكس، وسيأتي في الباب الذي بعده مزيد.

(٦٢) (بَابٌ: إِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ)

أي هذا باب في بيان حكم المصلي إذا صلى، وأشار بهذا إلى أن الأمر بالتخفيف على الإطلاق إنما هو في حق الأئمة لأن خلفه من لا يطيق التطويل، وأما إذا صلى وحده فلا حجر عليه إن شاء طوَّل، وإن شاء خفف، ولكن لا ينبغي التطويل إلى أن يخرج الوقت، أو يدخلَ في حد الكراهة.

٧٠٣ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ))).

مطابقته للترجمة ظاهرة وهذا الإسناد بهؤلاء الرجال قد مرَّ غير مرة. وأبو الزناد بالزاي والنون عبدُ الله ابن ذكوان، والأعرج عبدُ الرحمن بن هرمز.


(١) في (الأصل) : ((هريرة))، والصواب: ((هذه)).
(٢) في (الأصل) : ((الزهري))، والصواب: ((اليعمري)) كما في نفح الشذى لابن سيد الناس وهو اليعمري.
(٣) كذا في (الأصل) : ((كتاب))، وليس لهذه الكلمة وجه، وليست في نفح الشذى.

<<  <   >  >>