من أدرك من العصر اختلاف الألفاظ والرُّواة في هذا الحديث، وذكرنا ما يتعلَّق به هناك من جميع التعلُّقات. انتهى.
قال شيخنا: سياق الحديث بلفظ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاة فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ)، وقد رواه مسلم من رواية عُبَيْد الله العُمَري عن الزُّهْري، وأحال به على حديث مالك، وأخرجه البَيْهَقي وغيره من الوجه الذي أخرجه مسلم، ولفظه كلفظِ ترجمة هذا الباب، قدَّم قوله:(مِنَ الصَّلَاةِ) على قوله: (رَكْعَةً)، وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلَّا وقد وردَ من وجه آخر بذلك اللَّفظ المغاير فلِلَّهِ درُّه ما أكثر اطلاعه. والظاهر أنَّ هذا أعمّ من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللَّام عهديَّة فَيَتَّحِدَا، ويؤيِّده أنَّ كلًّا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك مقيَّد، فيحمل المطلق على المقيَّد؛ وقد تقدَّم كلام الكِرْماني في الفرق بين الحديثين، وقال بعد ذلك وفي الحديث: أنَّ من دخل الصَّلاة فصلَّى ركعة، وخرج الوقت كان مدركًا لجميعها، وتكون كلُّها أداء، وهو الصحيح. انتهى. وهذا يدلُّ على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلِّقين بالوقت، بخلاف ما قال أوَّلًا. وقال التيمي: معناه أنَّ من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة. وقيل: المراد بالصلاة الجمعة، وقيل: غير ذلك.
وقوله:(فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) ليس على ظاهره بالإجماع لما قدَّمناه، من إنَّه لا يكون بالركعة الواحدة مدركًا لجميع الصَّلاة، بحيث يحصل براءة ذمَّته من الصَّلاة، فإذًا فيه إضمار تقديره: فقد أدركا وقت الصَّلاة، أو حكم الصَّلاة، أو نحو ذلك، ويلزمه إتمام بقيَّتها.
وقد تقدَّم بقيَّة مباحثه في الباب الذي قبله، ومفهوم التقييد بالركعة: أنَّ من أدرك دون الركعة لا يكون مدركًا لها، وهو الذي استقرَّ عليه الاتفاق، وكان فيه شذوذ قديم منها: إدراك الإمام راكعًا يُجزئ ولو [لم](١) يدرك معه الركوع، ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقيَّة من ائتمَّ به رؤوسهم ولو بقي واحد، وعن الثَّوْري وزفر: إذا كبَّر قبل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل: من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة، وعن أبي العالية: اذا أدرك السُّجود وأكمل بقيَّة الركعة معهم، ثمَّ يقوم فيركع فقط وتُجزئه، والله أعلم.
(٣٠)(بَابُ الصَّلاة بَعْدَ الفَجْرِ حتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ) أي هذا باب في بيان حكم الصَّلاة بعد صلاة الصُّبح إلى أن ترتفع الشمس، قال الزَّين بن المنيِّر: لم يثبت حكم النَّهي لأنَّ تعيين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخصَّ الترجمة بالفجر مع اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأنَّ الصُّبح هي المذكورة أوَّلًا في سائر أحاديث الباب؛ قال شيخنا: أو لأنَّ العصر ورد فيها كونه عليه السَّلام صلَّى بعدها بخلاف الفجر. انتهى.
٥٨١ - قوله:(حَدَّثَنَا حَفْص بنُ عُمَرَ) أي الحَوْضي، ترجمته في باب التيمُّن في الوضوء.
قوله:(قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ) أي الدَّسْتُوائي،
(١) لم: ليس في الأصل، وأضيفت لتمام المعنى من فتح الباري.