وهذا يردُّ قول من قال: لو كان الخضر حيًّا لاجتمع بنبيِّنا عليه السلام، وأيضًا عدم إتيانه إلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم ليس مؤثرًا في الحياة ولا غيرها؛ لأنَّا عهدنا جماعة آمنوا به ولم يروه مع الإمكان، قال العَيني: وزَعَمَ ابن عبَّاس ووهب أنَّ الخضر كان نبيًّا مرسلًا، وممن قال بنبوته أيضًا مقاتل وإسماعيل بن أبي زياد، وقيل: كان وليًّا، وقال أبو الفرج: والصحيح إنَّه نبيٌّ، ولا يعترض على الحديث بعيسى؛ لأنَّه ليس على وجه الأرض، ولا بالخضر؛ لأنَّه في البحر، ولا بهاروت وماروت؛ لأنَّهما ليسا ببشر، وكذا الجواب في إبليس.
ويقال: معنى الحديث: لا يبقى ممن ترونه وتعرفونه، فالحديث عام أريد به الخصوص، والجواب الأوجه في هذا أن نقول: إنَّ المراد ممن هو على ظهر الأرض أُمَّتُه، وكلُّ من هو على ظهر الأرض أُمَّته، المسلمون أُمَّة إجابة، والكفَّار أمَّة دعوة، وعيسى والخضر ليسا داخلين في الأمَّة، والشَّيطان ليس من بني آدم. انتهى.
(٢١)(بَابُ وَقْتِ العِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاس أَوْ تَأَخَّرُوا) أي هذا باب في بيان وقت العشاء عند اجتماع الجماعة وعند تأخُّرهم، فوقتها عند الاجتماع أوَّل الوقت، وعند التأخُّر التأخير، وأما حدُّ التأخير ففي حديث عَمْرو بن العاص وقتها إلى نصف اللَّيل الأوسط، وفي رواية بُرَيدة: إنَّه صلَّى في اليوم الثَّاني بعدما ذهب ثلث اللَّيل، وفي رواية: عندما ذهب ثلث اللَّيل، ومثله في حديث أبي موسى: حين كان ثلث اللَّيل، وفي حديث جبريل عليه السَّلام: حين ذهب ساعة من اللَّيل، وفي رواية ابن عبَّاس: إلى ثلث اللَّيل، وفي حديث أبي بَرزَة: إلى نصف اللَّيل أو ثلثه، وقال مرَّة: إلى نصف اللَّيل ومرَّة إلى ثلث اللَّيل، وفي حديث أنس: شطره، وفي حديث ابن عُمَر: حين ذهب ثلثه، وفي حديث جابر: إلى شطره، وعنه: إلى ثلثه، وفي حديث عائشة: حتَّى ذهب عامَّة اللَّيل.
واختلف العلماء بحسب هذا، وقال عياض: وبالثلث قال مالك والشافعي في قول، وبالنصف قال أصحاب الرأي وأصحاب الحديث والشافعي في قول وابن حبيب من الحنفيَّة، وعن النَّخَعي الربع، وقيل: وقتها إلى طلوع الفجر، وهو قول داود، قال العَيني: وهذا عند مالك وقت الضرورة، ومذهب أبي حنيفة: التأخير أفضل إلَّا في ليالي الصيف، وفي «شرح الهداية» : تأخيرها إلى نصف اللَّيل مباح، وقيل: تأخيرها بعد الثلث مكروه، وفي «الغنية» : تأخيرها إلى النِّصف مكروه كراهة تحريم.
قال شيخنا: أشار بهذه الترجمة إلى الردِّ على من قال: إنَّها تسمَّى العشاء إذا عُجِّلت والعتمةَ إذا أُخِّرت أخذًا من اللَّفظين، وأراد هذا القائل بوجه غير الأوجه المتقدِّمة، فاحتجَّ عليه المُصَنِّف بأنَّها قد سمِّيت في حديث الباب في حال التقديم والتأخير باسم واحد. انتهى.
قال العَيني: هذا كلام واهٍ؛ لأنَّ الترجمة لا تدلُّ على هذا أصلًا، وإنَّما أشار بهذا إلى أنَّ اختياره في وقت العشاء التقديم عند الاجتماع، والتأخير عند التأخُّر، وهو نصَّ الشَّافعي أيضًا في «الأم» إنَّه إذا اجتمعوا عجَّل، وإذا أبطؤوا أخَّر. انتهى.
قلت: ليس بكلام واهٍ، وإنما هو نظر دقيق أفاد فيه ما لم