قال العَيني: وقال عياض: الجمع بين الصَّلوات المشتركة في الأوقات يكون تارة سنَّة وتارة رخصة، فالسنَّة الجمع بعرفة والمزدلفة، وأمَّا الرُّخصة فالجمع في المرض والسَّفر والمطر، فمن تمسَّك بحديث صلاة النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مع جبريل عليه السَّلام وقدَّمه لم يرَ الجمع في ذلك، من خصَّه أثبت جواز الجمع في السَّفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه، فنقول: إذا أبيح للمسافر الجمع لمشقَّة السَّفر فأحرى أن يباح للمريض، وقد قرن الله المريض بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم، وأمَّا الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء، وعنه قولةٌ شاذةٌ: إنَّه لا يجمع إلَّا في مسجد الرسول عليه السلام، ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر. انتهى.
قلت: الجديد من قولي الشَّافعي جواز الجمع بالمطر تقديمًا ومنعه تأخيرًا، وشرط في التقديم وجود المطر أوَّل الصَّلاة الأولى وعند سلامها ليُصلِّ بأوَّل الثانية، ولا يضرُّ انقطاعه في أثناء الأولى أو الثانية أو بعدها، وسواء قويُّ المطر وضعيفُه إذا بل الثَّوب، والثلج والبرد كمطر إن ذابا لبلهما الثَّوب، والأظهر من قولي الشَّافعي تخصيص الرُّخصة بالمصلِّي جماعة بمسجد بعيد يتأذَّى بالمطر في طريقه، بخلاف من يصلِّي في بيته منفردًا أو جماعة أو يمشي في كُنٍّ أو كان المسجد بباب داره فلا يترخص؛ لانتفاء المشقة، والثاني يترخص لإطلاق الحديث، روى الشيخان عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما:((أنَّه عليهِ السَّلامُ صلَّى بالمدينة سبعًا جميعًا وثمانيًا جميعًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء)) وفي رواية لمسلم: ((منْ غيرِ خوفٍ ولا سفرٍ))، قال الإمام مالك: أرى ذلك بعذر المطر. انتهى.
٥٥٩ - قوله:(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِهْرَانَ؟) أي الجمَّال -بالجيم- الحافظ الرَّازي أبو جعفر، مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين.
قوله:(قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ) أي ابن مسلم -بكسر اللام الخفيفة- أبو العبَّاس الأموي، عالم أهل الشام، مات سنة خمس وتسعين ومائة.
قوله:(قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ) أي عبد الرحمن بن عُمَر، وقد مرَّ في باب الخروج في طلب العلم.
قوله:(قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعٍ) هو عطاء بن صُهَيب النَّجَاشيِّ -بفتح النُّون وتخفيف الميم وبالشين من المعجمة- وصُهَيب بضمِّ الصَّاد المهملة، ورافع بن خُدَيج شيخ عطاء، قال ابن حبَّان: صحبه ستَّ سنين.
في هذا الإسناد التَّحديث بصيغة الجمع في ثلاث مواضع، وفيه التَّحديث بصيغة الإفراد من الماضي في موضع واحد، وفيه القول في خمس مواضع، وفيه السَّماع، وفيه أنَّ رواته ما بين رازي وشامي ومدني.
مطابقته للترجمة من حيث إنَّه يدلُّ بالإشارة لا بالتصريح، فإنَّ المفهوم منه ليس إلَّا مُجَرَّد المبادرة إلى صلاة المغرب خوفًا أن يتأخَّر إلى اشتباك النُّجوم، وقد روى ابن خُزَيمَة والحاكم من حديث