العبَّاس بن عبد المطلب:((لَا تَزَالُ أُمْتَي عَلَى الفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤْخِّرُوا المَغْرِبَ إِلَى النُّجُوْمِ)).
هذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في الصَّلاة عن محمَّد بن مِهْران به، وعن إِسْحاق بن إبراهيم عن شُعَيب بن إِسْحاق عن الأوزاعي به، وأخرجه ابن ماجَهْ فيه عن دُحَيم عن الوليد به.
قوله:(لَيُبْصِرُ) -بضمِّ الياء آخر الحروف- من الإبصار، واللام فيه للتأكيد.
قوله:(مَوَاقِعَ نَبْلِهِ) المواقع: جمع موقع، وهو موضع الوقوع، والنَّبْل -بفتح النُّون وسكون الباء الموحَّدة-: السِّهام العربيَّة، قال شيخنا: وروى أحمد في «مسنده» من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا: ((كنَّا نصلِّي مع رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم المغربَ، ثمَّ نرجع فنترامى حتَّى نأتي ديارنا فما يخفى علينا مواقع سهامنا)) إسناده حسن.
قال العَيني: النَّبْل مؤنَّثة، وقال ابن سِيدَه: لا واحد له من لفظه، وقيل: واحدتها نَبْلة مثل تمر وتمرة، وفي «المغيث» لأبي موسى: هو سهم عربي لطيف غير طويل لا كسهام النُّشَّاب، والحُسبان أصغر من النَّبْل يرمي بها على القِسي الكِنانة في مجاري الخشب.
ومعنى الحديث: أنَّه عليه السَّلام يبكر بالمغرب في أوَّل وقتها بمُجَرَّد غروب الشَّمس، حتَّى ينصرف أحدنا ويرمي النَّبْل عن قوسه ويبصر موقعه لبقاء الضَّوء.
فيه: أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى المغرب عند غروب الشَّمس، وبادر بها بحيث إنَّه لما فرغ منها كان الضوء باقٍ، وهو مذهب الجمهور، وذهب طاوس وعطاء ووَهْب بن مُنَبِّه إلى أنَّ أوَّل وقت المغرب حين طلوع النجم، واحتجُّوا في ذلك بحديث أبي بَصْرة الغفاري قال:((صلَّى بنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم العصر بالمَحْمَض فقال: إنَّ هذه الصَّلاة عرضت على من كان قبلكم فضيَّعوها، فمنْ حافظَ عليها كانَ لهُ أجره مرَّتين، ولا صلاة بعدها حتَّى يطلع الشاهد))، والشاهد: النَّجم. أخرجه مسلم والنَّسائي والطَّحاوي، وأجاب الطَّحاوي رحمه الله عنه بأن قوله:(ولا صلاةَ بعدها حتَّى يرى الشاهد) يحتمل أن يكون هو آخر قول النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم كما ذكره اللَّيث، ولكن الذي رواه غيره تأوَّل أنَّ الشاهد هو النَّجم، فقال ذلك برأيه لا عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، على أنَّ الآثار قد تواترت عن النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم:((أنَّهُ كانَ يصلِّي المغربَ إذا توارَتِ الشَّمسُ بالحجابِ)).
و (أَبُو بَصْرَةَ) -بفتح الباء الموحَّدة وسكون الصَّاد المهملة- واسمه: حُميل -بضمِّ الحاء المهملة وفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف- وقيل: جُميل -بالجيم-، قال العَيني: والأوَّل أصحُّ، و (المَحْمَض) -بفتح الميمين وسكون الحاء المهملة وفي آخره ضاد معجمة- وهو الموضع الذي ترعى فيه الإبل الحمض، وهو ما حمض وملح وأمر من النبات كالرمث والأثل والطرفاء ونحوها، والخُلَّة من النبت ما كان حلوًا، تقول العرب: الخُلَّة خبز الإبل والحمض فاكهتها.
وقد وَقَعَ اختلاف في ألفاظ هذا الحديث ورواته، رواه أبو داود من حديث أَنَس رضي الله عنه:((كنا نصلِّي المغربَ ثمَّ نرمي فيرى أحدُنا موضعَ نَبْلِه))، وعن كعب بن مالك: ((كان النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم