كالأعراض المرئية، فإنها ليست مقابلة للرائي؛ إذ العرض لا يكون مقابلًا للجسم، ولكنها حالة في الجسم المقابل للرائي، فكان في حكم المقابل، وألَّا يكون المرئي في غاية القرب ولا في غاية البعد، وألَّا يكون في غاية الصغر ولا في غاية اللطافة، وألَّا يكون بين الرائي والمرئي حجاب.
قلنا: الشرائط الستُّ الأخيرة لا يمكن اعتبارها إلَّا في رؤية الأجسام، والله تعالى ليس بجسم، فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط في رؤيته تعالى، ولا يعتبر في حصول الرؤية إلَّا الأمران: سلامة الحاسَّة، وكونه بحيث يصحُّ أن يرى، وهذان الشرطان حاصلان.
فإن قلت: الكاف في (كَمَا تَرَوْنَ) للتشبيه، ولا بدَّ أن تكون مناسبة بين الرائي والمرئي، قال العَيني: معنى التشبيه فيه: أنَّكم ترونه رؤية محقَّقة لا شكَّ فيها ولا مشقة ولا خفاء كما ترون القمر كذلك، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي. انتهى.
في حديث الباب أيضًا: زيادة شرف الصلاتين، وذلك لتعاقب الملائكة في وقتيهما، ولأنَّ وقت صلاة الصُّبح وقت لذَّة النَّوم كما قيل:
ألذُّ الكَرى عند الصَّباح يطيبُ
والقيامُ فيه أشقُّ على النَّفس من القيام في غيره، وصلاة العصر وقت الفراغ عن الصناعات وإتمام الوظائف، والمسلم إذا حافظ عليها مع ما فيه من التثاقل والتشاغل، فلأنْ يحافظ على غيرها بالطريق الأَولى.
قلت: وفيه ترغيب النَّاس وحثُّهم على العبادة وضرب المثال بالشاهد على الغائب، وحضور الرغبة عند الإمام في اللَّيل وتعلُّمهم العلم باللَّيل، وفيه: أنَّ الأعمال الشاقَّة على النَّفس ينال بها العبد أعظم الثواب من الله. انتهى.
٥٥٥ - قوله: (حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ) أي التِّنِّيسي، ترجمته في كتاب الوحي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا مَالِكٌ) أي ابن أنس، ترجمته في البدء أيضًا.
قوله: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) أي عبد الله بن ذكوان، ترجمته في باب حبِّ الرسول من الإيمان.
قوله: (عَنِ الأَعْرَجِ) أي عبد الرحمن بن هُرمُز، ترجمته في الباب أيضًا.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أي عبد الرحمن بن صخر، ترجمته في باب أمور الإيمان.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، والإخبار كذلك، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، ورواته مدنيُّون ما خلا عبد الله بن يوسف فإنه تِنِّيسي، وهو من أفراد البخاري.
قوله: (أَنْ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَتَعَاقَبُوْنَ فِيْكُمْ: مَلَائِكَةٌ بِاللَّيل وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهار، وَيَجتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثمَّ يَعرُجُ الَّذِيْنَ بَاتُوا فِيْكُمْ فَيَسْأَلُهُم وَهُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ، فَيَقُولُ: كَيفَ تَرَكتُم عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكنَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ، وَأَتَينَاهُم وَهُم يُصَلُّونَ).
مطابقته للترجمة في قوله: (وَيَجْتَمِعُوْنَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ) وقد ذكرنا أنَّ اقتصاره في الترجمة على العصر من باب الاكتفاء.
هذا الحديث أخرجه البخاري أيضًا في التوحيد عن إسماعيل وقتيبة، وأخرجه مسلم في الصَّلاة عن يحيى بن يحيى، وأخرجه النَّسائي فيه وفي البعوث عن قُتَيْبَة وعن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم الكلُّ عن مالك.
قوله: (يَتَعَاقَبُوْنَ) قال العَيني: فاعل (يَتَعَاقَبُوْنَ) مضمر، والتقدير: ملائكة يتعاقبون، وقوله: (ملائكة) بدل من الضَّمير الذي فيه أو بيان، كأنَّه