وأبو هريرة، وجابر، وأنس، وعمَّار بن ياسر، وزيد بن ثابت، وعبادة بن الصَّامت، وبُرَيدة بن حَصِيب، وجُنادة بن أبي أُميَّة، وفَضَالة بن عُبَيْد، ورجل له صحبة من النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، ثمَّ ذكر أحاديثهم بأسانيد غالبها جيدة.
وذكر أبو نُعَيم الحافظ في كتاب «تثبيت النظر» : أبا سعيد الخدري، وعُمارة بن رُؤيبة، وأبا رَزِين العُقَيلي، وأبا بَرزة، وزاد الآجري في كتاب «الشريعة»، وأبو محمَّد عبد الله بن محمَّد المعروف بأبي الشيخ في كتاب «السنَّة الواضحة» تأليفِهما: عديَّ بن حاتم الطَّائي بسند جيد.
والرؤية مختصَّة بالمؤمنين ممنوعة من الكفَّار، وقيل: يراه منافقو هذه الأمَّة، قال العَيني: وهذا ضعيف، والصحيح: أنَّ المنافقين كالكفَّار باتِّفاق العلماء، وعن ابن عُمَر وحُذَيفة: من أهل الجنَّة من ينظر إلى وجهه تعالى غدوة وعشيَّة. انتهى.
قلت: فائدةٌ: رؤية الله تعالى في الدُّنْيا جائزة عقلًا وشرعًا لنبيِّنا عليه الصَّلاة والسلام، ولغيره عقلًا فقط، وفي الآخرة جائزة عقلًا وشرعًا له ولغيره. انتهى.
ومنع من ذلك المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة، واحتجُّوا في ذلك بوجوه:
الأوَّل: قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣]، وقالوا: يلزم من نفي الإدراك بالبصر نفي الرؤية.
الثاني: قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣]، و (لن) للتأبيد بدليل قوله تعالى: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا} [الفتح: ١٥]، وإذا ثبت في حقِّ موسى عدم الرؤية ثبت في حقِّ غيره.
الثالث: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولً} [الشورى: ٥١] الآية، فالآية دلَّت على أنَّ كلَّ من يتكلَّم الله معه فإنَّه لا يراه، فإذا ثبت عدم الرؤية في وقت الكلام ثبت عدم الرؤية في غير وقت الكلام ضرورةَ إنَّه لا قائل بالفصل.
الرابع: أنَّ الله تعالى ما ذكر في طلب الرؤية في القرآن إلَّا وقد استعظمه وذم عليه، وذلك في آيات، منها قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: ٥٥].
الخامس: لو صحَّت رؤية الله تعالى لرأيناه الآن، فالتالي باطل والمقدَّم مثله.
لنا أهل السنَّة ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة} [القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وقوله تعالى: {كَلَّا أنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ٥٥]، فهذا يدلُّ على أنَّ المؤمنين لا يكونون محجوبين.
والجواب عن قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] : أنَّ المراد من الإدراك الإحاطةُ، ونحن أيضًا نقول به، وعن قوله: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] : أنَّا لا نسلِّم أنَّ (لن) تدلُّ على التأبيد بدليل قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} [البقرة: ٩٥]، مع أنَّهم يتمنَّونه في الآخرة، وعن قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إلَّا وَحْيًا} [الشورى: ٥١] الآية: أنَّ الوحي كلام يسمع بالسرعة، وليس فيه دلالة على كون المتكلِّم محجوبًا عن نظر السامع أو غير محجوب عن نظره، وعن قوله: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى} [البقرة: ٥٥] الآية: أنَّ الاستعظام لم لا يجوز أن يكون لأجل طلبهم الرؤية على سبيل التعنُّت والعناد، بدليل الاستعظام في نزول الملائكة في قوله: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا المَلَائِكَةُ} [الفرقان: ٢١]، ولا نزاع في جواز ذلك.
والجواب عن قولهم: لو صحَّت رؤية الله تعالى... إلخ، أنَّ عدم الوقوع لا يستلزم عدم الجواز، فإنَّ قالوا: الرؤية لا تتحقَّق إلَّا بثمانية أشياء: سلامة الحاسة، وكون الشيء بحيث يكون جائز الرؤية، وأن يكون المرئي مقابلًا للرائي أو في حكم المقابل، فالأوَّل كالجسم المحاذي للرائي، والثاني