قاله ابن عبد البر. وقيل: المراد به أولُ صف تامٍّ مسدودٍ لا يتخلله شيء مثلُ مَقصورةٍ ونحوِها. وقال النووي: القول الأول هو الصحيح المختار، وبه صرح المحققون، والقولان الآخران غلطٌ صريح.
قال العيني: القول الثاني لا وجه له، لأنه ورد في حديث أبي سعيد أخرجه أحمد: ((وإنَّ خير الصفوف صفُّ الرجال المقدَّم وشرَّها المؤخر)) الحديث، والقولُ الثالث له وجه، لأنه ورد في حديث أنسٍ أخرجه أبو داود وغيره: ((رصوا صفوفكم))، وقد ذكرناه آنفاً، وإذا تخلل بين الصف شيء ينتقض الرصُّ، وفيه أيضاً: ((إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف)). وأما كونُ القولِ الأول هو الصحيح فوجهُهُ أن الأول اسم لشيء لم يسبقه شيء فلا يُطلق هذا إلا على الصف الذي يلي الإمامَ مطلقاً، وإليه أشار البخاري لأنه ترجم بالصفِّ الأول، وحديثُ الباب فيه: (الصَّفِّ المُقَدَّمِ) وهو الذي لا يتقدَّمُه إلا الإمام.
فإن قلتَ: ورد في حديثٍ أخرجه أحمد: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأُوَل)). قلتُ: لفظ الأول من الأمور النسبية، فإنَّ الثاني أولٌ بالنسبة إلى الثالث، والثالثُ أول بالنسبة إلى الرابع، وهَلُمَّ جرًّا، ولكنَّ الأولَ المطلقَ هو الذي لم يسبقه شيء.
ثم الحكمةُ في التحريض والحثِّ على الصف الأول المطلق على وجوهٍ: المسارعةُ إلى خلاص الذمة، والسبقُ لدخول المسجد، والقربُ من الإمام، واستماعُ قراءته والتعلُّم منه، والتبليغُ عنه، والفتحُ عليه عند الحاجة، واحتياجُ الإمام إليه عند الاستخلافِ، والبعدُ ممن يخترق الصفوف، وسلامةُ الخاطر من رؤيةِ من يكونُ بين يديه، وخلوُّ موضعِ سجوده من أذيال المصلين.
٧٢٠ - ٧٢١ - قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) أي النبيلُ، الضحاك بن مخلد، ترجمته في باب القراءة والعرض على العالِم.
قوله: (عَنْ مَالِكٍ) أي الإمام، ترجمته في بدء الوحي.
قوله: (عَنْ سُمَيٍّ) أي بضم السين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف، ترجمته في باب الاستهام في الأذان.
قوله: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) أي ذكوان السمان، ترجمته في باب أمور الإيمان.
قوله: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أي عبد الرحمن، ترجمته في الباب أيضاً.
في هذا الإسنادِ: التحديثُ بصيغة الجمع في موضع واحد، وفيه: العنعنة في أربع مواضع، ورواته ما بين بصري ومدني، فالبصري شيخ البخاري والباقون مدنيون.
قوله: (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشُّهَدَاءُ: الغَرِقُ، وَالمَبْطُونُ، وَالمَطْعُونُ، وَالهَدِمُ)))،
وَقَالَ: ((وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ، لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ المُقَدَّمِ لَاسْتَهَمُوا)).
أخرج البخاري من هذا الحديث في باب فضل التهجير عن قتيبة عن مالك عن سُمَي عن أبي صالح عن أبي هريرة بِأَتَمَّ منه، وأخرجه في باب الاستهام في الأذان، وذكرنا في البابين جميع ما يتعلق به من الأشياء.
قوله: (الغَرِقُ) بكسر الراء يعني الغريق. (وَالمَبْطُونُ) : هو صاحب الإسهال. (وَالهَدِمُ) بكسر الدال وقيل: سكونِها. وقال الكِرماني: هو المهدوم. قال العيني: المهدوم هو الذي ينهدم، وأما الْهَدِمُ فهو الذي يقع عليه الهَدْمُ كما في الحديث الماضي، وصاحِبُ (١) الاستهام: الاقتراعُ، و (الْمُقَدَّمِ) ضد المؤخر، وهو أيضاً
(١) كذا في (الأصل) : ولعل فيه سقطاً ففي عمدة القاري: ((... وصاحبُ الهدم، (والتهجير) : التبكير إلى كل شيء،. (والعتمة) صلاة العشاء، و: الحبو، الزحف على الإست. و: الاستهام....)).