للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(مَا فِي العَتَمَةِ) وهي صلاةُ العشاء، يعني: لو يعلمون ما في ثواب أدائها وأداء الصبح (لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا) أي: ولو كانوا حابين، من: حَبَا الصبيُّ إذا مشى على أربع، قاله صاحب «المجمل»، ويقال: إذا مشى على يديه وركبتيه أو استه. انتهى.

فيه: فضيلةُ الأذان، وقد ذكرناه فيما مضى من ذلك.

وفيه: فضيلةُ الصف الأول لاستماع القرآن إذا جهر الإمام، والتأمين عند فراغه من الفاتحة، والتكبير عقيب تكبير الإمام، وأيضاً يحتمل أن يحتاج الإمام إلى الاستخلاف عند الحدث فيكون هو خليفته، فيحصل له بذلك أجرٌ عظيمٌ، أو يضبط صفة الصلاة ويفعلها ويعلمها الناس، وروى مسلم: ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا، وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا، وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا))، وفي «الأوسط» للطبراني: ((استغفر للصف الأول ثلاث مرات، وللثاني مرتين، وللثالث مرة) وعن جابر بن سمرة من حديث مسلم: ((أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا، يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ) وعند ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها: ((لَا يَزَالُ قَوْمُ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللهُ إِلَى النَّارِ) وعن عبد الرحمن بن عوف: ((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ) وعند ابن حبان عن البراء بن عازب: ((إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ)).

وقال القرطبيُّ: اختلف في الصف الأول هل هو الذي يلي الإمامَ أو المبكِّرُ؟ والصحيحُ: أنه الذي يلي الإمام، فإن كان بين الإمام والناس حائلٌ كما أحدث الناسُ المقاصيرَ فالصفُّ الأولُ الذي يلي المقصورةَ.

وفي «التوضيح» : الصفُّ الأولُ: ما يلي الإمام ولو وقع فيه حائل خلافاً لمالك، وأبعد مَن قال: إنه المبكر، ولو جاء رجل ورأى الصف الأول مسدداً لا ينبغي أن يزاحمهم، وقد روي عن ابن عباس يرفعه: ((مَنْ تَرَكَ الصَّفَّ الأَوَّلَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِماً أَضْعَفَ اللهُ لَهُ الأَجْرَ)).

وفيه: فضيلةُ التبكير إلى الصلوات.

وفيه: حثٌّ عظيمٌ على حضور صلاتي العتمة والصبح، والفضل الكبير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول اليوم وآخره.

وفيه: تسميةُ العشاء بالعتمة. فإن قلت: قد ثبت النهيُ عنه.

قال العيني: هذه التسميةُ لبيان الجواز، وإنَّ النهيَ ليس للتحريم، وأيضاً استعمال العتمة ههنا لمصلحةٍ؛ لأنَّ العرب كانت تستعمل العشاء في المغرب، فلو قال: ما في العشاء؛ لحملوها على المغرب، ففسد المعنى وفات المطلوب، فاستعمل العتمة التي لا يشكون فيها، فقواعد الشرع متظاهرة على احتمال أخف المفسدتين لدفع أعظمهما.

وفيه: أنَّ الصفَ الثاني أفضلُ من الثالث، والثالث من الرابع، وهلم جراً.

وفيه: دلالةٌ لمشروعية القرعة.

وفيه: ما استدلَّ به بعضهم ممن قال بالاقتصار على مؤذنٍ واحدٍ، وهذا ليس بظاهرٍ؛ لصحة استهام أكثر من واحد.

قلت: وفيه الوعظُ بالدليل المجمل.

وفيه: السعيُ في تحصيل الفضائل ولو بالمشقة العظيمة. انتهى.

(١٠) (بَابُ الكَلَامِ فِي الأَذَانِ)

<<  <   >  >>