للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لاقترعوا في تحصيله.

وقال الطيبيُّ: المعنى: لو علموا ما في النداء والصف الأول من الفضيلة، ثم حاولوا الاستباق لوجب عليهم ذلك.

وأتى بـ (ثم) المؤذنة بتراخي رتبة الاستباق من العلم، وقدم ذكر الأذان دلالة على تهيُّؤ المقدمة الموصلة إلى المقصود الذي هو المثول بين يدي رب العزة.

قال شيخنا: يعني: ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا، أي: لم يجدوا شيئاً من وجوه الأولوية، أما في الأذان؛ فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن، وأما في الصف الأول؛ فبأن يصلوا دفعة واحدةً، ويستووا في الفضل، فيقرع بينهم في الحالتين، وزعم بعضهم: أن المراد بالاستهام هنا: الترامي بالسِّهام، وأنه أُخْرِجَ مخرج المبالغة، واستأنس بحديث: ((لَتُجَادِلُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ))، لكن الذي فهمه البخاري أَوْلى، ولذلك استشهد له بقصة سعد، ويدل عليه رواية لمسلم: (لَكَانَتْ قُرْعَةً) انتهى.

قوله: (عَلَيْهِ) أي: على كلِّ واحدٍ من الأذان والصف الأول، وبذلك يصحُّ تبويبُ المصنف، وقد نازع ابنُ عبد البر والقرطبيُّ في مرجع الضمير، قال ابن عبد البرِّ: يرجع إلى الصف الأول لا إلى النداء، وهو حقُّ الكلام؛ لأنَّ الضميرَ يعود لأقرب مذكورٍ، وقال القرطبيُّ: يلزم منه أن يبقى النداء ضائعاً لا فائدة له، بل الضمير يعود على معنى الكلام المتقدم، ومثله قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: ٦٨] أي: جميع ما ذكر.

قال شيخنا: وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ: ((لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا))، فهذا مفصحٌ بالمراد من غير تكلفٍ. انتهى.

قال العينيُّ: الصوابُ مع القرطبيّ، وحديثُ عبد الرزاق يدلُّ على صحة التقدير الذي قدَّره. انتهى.

قوله: (مَا فِي التَّهْجِيرِ) أي: التّبكير إلى الصلوات، قال النوويُّ: وعليه الخليلُ وغيره على ظاهره (١) فقال: والمراد: الإتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت؛ لأن التهجير مشتقٌّ من الهاجرة، وهو شدَّةُ الحر نصف النهار، وهو أول وقت الظهر. قال العينيُّ: الصوابُ ما قاله الهرويّ؛ لأن اللفظ مطلقٌ، وتخصيصه بالاشتقاق لا وجهَ له.

ثم المرادُ من التبكير إلى الصلوات: التهيؤ والاستعداد لها، ولا يلزم من ذلك إقامتها في أول أوقاتها، وكيف وقد أمر الشارع بالإبراد في الظهر، والإسفار في الفجر؟! وأيضاً الهاجرةُ تطلق على وقت الظهر إلى أن يقرب العصر، فإذا أبرد يصدق عليه أنه هجَّر على ما لا يخفى. انتهى.

قال شيخنا: وإلى قول الخليل مال البخاريُّ كما سيأتي، ولا يرد على ذلك مشروعيَّةُ الإبراد بالظهر؛ لأنه أريد به الرفقُ، وأما من ترك قائلته وقصد إلى المسجد لينتظر الصلاة فلا يخفى ما له من الفضل. انتهى.

قوله: (لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ) قال ابن أبي حمزة (٢) : المراد: الاستباق معنى لا حساً؛ لأن المسابقة على الأقدام حساً تقتضي السرعة في المشي، وهو ممنوعٌ منه.

قال العيني: المراد من الاستباق: التَّبكير، بأن يسبق غيره في الحضور إلى الصلاة.

قال شيخنا: وسيأتي الكلامُ على بقية الحديث في باب فضل صلاة العشاء في الجماعة قريباً، ويأتي الكلامُ على المراد بالصف الأول في آخر أبواب الإمامة إن شاء الله تعالى.

قال العيني: قوله:


(١) كذا في الأصل، وفي ((شرح النووي على مسلم)) : (التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت، قال الهروي وغيره، وخصه الخليل بالجمعة).
(٢) كذا في الأصل، والصواب: (جمرة)، والكلام في شرحه.

<<  <   >  >>