تلك الصَّلاة لا بحسب شخصها، قال النَّوَوي: هذا الحديث صريح في التبكير لصلاة العصر في أوَّل وقتها؛ فإن وقتها يدخل بمصير ظلِّ كلِّ شيء مثله، ولهذا كان الآخرون يؤخِّرون الظهر إلى ذلك الوقت، وإنما أخَّرها عُمَر بن عبد العزيز رضي الله عنه على عادة الأمراء قبله قبل أن تبلغه السنَّة في تقديمها، ويحتمل أنَّه أخَّرها لعذرٍ عرضَ له، وهذا كان حين ولي عُمَر المدينة نيابةً، لا في خلافته؛ لأنَّ أنسًا توفي قبل خلافته بنحو تسع سنين. انتهى. قال العَيني: ليس فيه تصريح في التبكير لصلاة العصر، ومثل عُمَر بن عبد العزيز كان يتبع الأمراء ويترك السنَّة. انتهى.
قلت: لم يقل: إنَّه تبع الأمراء وترك السنَّة، وإنما قال: قبل أن تبلغه السنَّة في تقديمها، وإن لم يكن فيه صراحةً بالتبكير، لكن يلزم من كون صلاتهم مع عُمَر ثمَّ دخولهم على أَنَس ودارُه بجنب المسجد فوجدوه يصلِّي العصر إنَّه بكَّر بها. انتهى.
قال شيخنا: وفي القصَّة دليل على أنَّ عُمَر بن عبد العزيز كان يصلِّي الصَّلاة في آخر وقتها تبعًا لسلفه إلى أن أنكر عليه عُرْوَة فرجع إليه كما تقدَّم، وإنما أنكر عليه عُرْوَة في العصر دون الظهر؛ لأن وقت الظُّهر لا كراهةَ فيه بخلاف وقت العصر، وفيه دليل على صلاة العصر في أوَّل وقتها أيضًا، وهو عند انتهاء وقت الظهر، ولهذا تشكَّك أبو أمامة في صلاة أَنَس أهي الظهر أو العصر، فيدلُّ أيضًا على عدم المفاصلة بين الوقتين.
(١٣ م) (بَابُ وَقْتِ العَصْرِ) كذا في رواية المُسْتَمْلي دون غيره، قال شيخنا: وهو خطأ؛ لأنَّه تكرار بلا فائدة. انتهى.
٥٥٠ - قوله: (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) أي الحكم بن نافع البَهراني الحمصي، ترجمته في كتاب الوحي.
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنا شُعَيْبٌ) أي ابن أبي حمزة، ترجمته في بدء الوحي أيضًا.
قوله: (عَنِ الزُّهْرِيِّ) أي محمَّد بن مسلم، ترجمته في باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة.
قوله: (قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَس بنُ مَالِكٍ) تقدَّم آنفًا رضي الله عنه.
في هذا الإسناد: التَّحديث بصيغة الجمع في موضع واحد، وبصيغة الإفراد من الماضي في موضع آخر، وفيه الإخبار بصيغة الجمع في موضع، وفيه العنعنة في موضع، وفيه القول، وفيه من الرُّواة حمصيَّان ومدني.
قوله: (قَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي العَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلى العَوَالِي فَيَأْتِيْهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ العَوَالِي مِنَ المَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ ونَحْوِهِ).
مطابقته للترجمة ظاهرة، وهذا الحديث أخرجه مسلم عن هارون بن سعيد عن ابن وَهْب عن عَمْرو بن الحارث عن الزُّهْري عن أَنَس، وأخرجه أيضًا عن قُتَيْبَة ومحمَّد بن رمح، وأخرجه أبو داود والنَّسائي عن قتيبة، وأخرجه ابن ماجَهْ عن محمَّد بن رمح.
قوله: (وَالشَّمْسُ) الواو فيه للحال، وقد مرَّ في تفسير قوله: (حَيَّةٌ).
قال شيخنا: وقوله بعد ذلك: (فَنَأْتِيْهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) أي دون ذلك الارتفاع، ولكنها لم تصل إلى الحدِّ الذي توصف به لأنَّها منخفضة، وفي ذلك دليل على تعجيله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم بصلاة العصر لوصف الشَّمس بالارتفاع بعد أن تمضي مسافة أربعة أميال.
وروى النَّسائي والطَّحاوي واللفظ له من طريق أبي الأبيض عن