الحميدي في كتابه «الجمع بين الصحيحين» أن الشيخين خرجاه من حديث موسى بن عقبة غيرُ صواب، لأن البخاري علقه كما ترى. وأما مسلم فإنه خرجه في «صحيحه» عن محمد بن إسحاق عن أنس بن عياض عن موسى، وطريقُ زهير المذكورة وَصَلها أبو عوانة في «مستخرجه». وأما رواية وهب بن عثمان فقد ذكر المصنف أن إبراهيم بن المنذر رواها عنه، وإبراهيم من شيوخ البخاري ومن أفراده، وقد وافق زهيراً ووهباً أبو ضمرة عند مسلم وأبو زيد عند أبي عوانة والدارَورْدي عند السراج كلهم عن موسى بن عقبة.
قوله:(قَالَ أَبُو عَبْدِ الله) أي البخاريُّ نفسُه، ترجمته في مقدمة هذا الشرح.
قوله:(رَوَاهُ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ) قد قدمنا آنفاً أن البخاري ذكر ذلك.
قوله:(وَوَهْبٌ مَدِينِيٌّ) بكسر الدال، ويروى بفتحها، وكلاهما نسبة إلى مدينة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام. قلت: هنا ثلاثة اصطلاحات في المدني والمديني والمدائِني، وقد تقدم بيانُ ذلك. انتهى. قال العيني: القياسُ فتحُ الدال كما يقال في النسبة إلى ربيعة: ربعي، وإلى جذيمة: جذمي. فإن قلتَ: ما فائدة ذكر البخاري نسبة وهب بقوله مديني أو مدني؟ قال العيني: لم يظهر شيء يجدي إلا أنه أشار إلى أنه مدني، كما أن إبراهيم بن المنذر الذي روى عنه مدني أيضاً.
قد قدَّمْنا حكاية النووي في كراهة الصلاة بِحضرة الطعام إذا كان في الوقت سَعَةٌ، فإن ضاق صلى وترك الطعام محافَظةً على حُرمة الوقت. وحكى المتولي من الشافعية وجهاً أنه يبدا بالأكل وإن خرج الوقتُ، لأن مقصود الصلاة الخشوعُ فلا يُفوِّتْه. قال شيخنا: وهذا إنما يجيء على قول من يوجب الخشوع، ثم فيه نظرٌ لأن المفسدتين إذا تعارضتا يُقتَصر على أخفهما، وخروج الوقت أشدُّ من ترك الخشوع بدليل صلاة الخوف والغريقِ وغيرِ ذلك، وإذا صلى لمحافظة الوقت صحت مع الكراهة وتستحب الإعادة عند الجمهور، وادعى ابنُ حزم أنَّ في الحديث دليلاً على امتداد الوقت في حق من وُضِع له الطعام ولو خرج الوقت المحدود، وقال مثلَ ذلك في حق النائم والناسي.
واستدل النووي وغيره بحديث أنس على امتداد وقت المغرب، واعترضه ابن دقيق العيد بأنه إن أريد بذلك التوسعة إلى غروب الشفق ففيه نظر وإن أريد به مطلق التوسعة فمسلَّم، ولكن ليس محل الخلاف المشهور، فإن بعض من ذهب إلى ضيق وقتها جعله مقدَّراً بزمن يدخل فيه مقدارُ ما يتناولُ لقيماتٍ يكسر بها سَوْرة الجوع.
واستدل به القرطبي على أن شهود صلاة الجماعة ليس بواجب، لأنَّ ظاهره أن يشتغل بالأكل وإن فاتته الصلاة في الجماعة، وفيه نظر، لأن بعض من ذهب إلى الوجوب كابن حبان جعل حضور الطعام عذرا في ترك الجماعة، فلا دليل فيه حينئذ على إسقاط الوجوب مطلقا.
وفيه دليل على تقديم فضيلة الخشوع في الصلاة على فضيلة